المساء اليوم - ع. الدامون: كثيرون لم يصدقوا قرار وزارة التعليم والرياضة، بإدراج "الهيب هوب" في النظام التعليمي المغربي، وهذا الاستغراب طبيعي، لأننا نحتاج لكثير من الطيبوبة، بل لكثير من السذاجة، لنصدق أن بيان الوزارة حول الهيب هوب كان بريئا، في قلب زوبعة فضيحة بيع الشهادات الجامعية، التي هزت الرأي العام المغربي. في هذه البلاد، الفساد يعيش في بحبوحة، وطمأنينة أيضا، وآخر ما يمكن توقعه هو وجود حملة حقيقية لمحاربته، وأفضل شيء يقومون به في هذا المجال هو تغطية ملفات الفساد بوسائل مختلفة، فإما محاسبة المبلغين عنه، أو التغطية على ملف معين بملف آخر. هكذا أثار بيان وزارة التعليم حول إدراج رقصة "الهيب هوب" في المناهج التعليمية الكثير من الجدل والدهشة، والغضب أيضا، فقد كان الهدف غير المعلن هو التغطية على فضيحة بيع الشهادات، التي كان يفترض أن تقود الكثير من الرؤوس إلى السجون. لم يكن قرار إدراج "الهيب هوب" في المناهج الدراسية يحتاج لبيان رسمي وكل هذه الجدية من وزارة التعليم، وهي وزارة غير جدية اطلاقا، وكان من الممكن الاستغناء عنها منذ سنوات طويلة وإلحاق قطاع التعليم بوزارة الفلاحة، لأنهم حرثوا ميدان التعليم بالنظريات والقرارات الفاسدة أكثر مما حرثوا حقول القمح. كان المغاربة ينتظرون أن تقوم الجهات المعنية بفتح تحقيق واسع ومعمق في فضيحة بيع الشهادات الجامعية، كما كان يفترض النبش في ملفات الكثير من الجامعات المغربية، التي يعتبر تفجر هذه الفضائح فيها مسألة وقت فقط، وكان يفترض أن يتم البحث في سِيَر الكثير ممن يسمون أنفسهم أساتذة جامعيين، الذين تفرغوا للتجارة بمختلف أشكالها، بدءا بالشهادات الجامعية، وانتهاء بالأراضي والعقارات والسيارات.. وحتى أجساد الطالبات. عموما، الكلام يطول في هذا الموضوع الخطير، وهوخطير فعلا لأن حكماء هذه البلاد تواروْا إلى العتمة وتركوا مكانهم للحمقى والمجانين الذين يعتقدون أن المغاربة يحتاجون فقط لكرة القدم والهيب هوب. كان الناس ينتظرون قرارات جدية وعاقلة تعزز النظام التعليمي بمناهج عن الذكاء الصناعي مثلا، أو رفع ميزانية البحث العلمي والأكاديمي، أو بناء مدن جامعية استثنائية للطلبة النابغين في مختلف العلوم، أو تخصيص منح جامعية معتبرة للمتفوقين وبعثهم للدراسة في بلدان متقدمة مثل الصين وألمانيا والولايات المتحدة. في أقل الأحوال كنا ننتظر من وزارة التعليم قرارا بالعناية بمئات الآلاف من المدارس والثانويات والمعاهد، التي أصبحت أسوأ من السجون وتكاد تنهار على رؤوس التلاميذ من فرط الإهمال، إلى درجة أننا كلما رأينا، عن بعد، بناية متهالكة لم تصل الرحم مع الصباغة منذ سنوات طويلة نجزم بأنها مدرسة أو ثانوية. كنا نتمنى من وزارة التعليم أن تؤجل موضوع الهيب هوب لبعض الوقت وتتفرغ لحملة محاربة انتشار المخدرات بشتى أنواعها في الثانويات المغربية، لكن يبدو أن الوزارة لها رأيا آخر، لأننا نعلم أن المخدرات تحتاج فعلا إلا الهيب هوب، لأنه نادرا ما يرقص الناس الهيب هوب وهم في كامل قواهم العقلية. كنا نتوقع من وزارة التعليم أن تفتح عيونها جيدا على ظاهرة الهدر المدرسي المخيفة، واستفحال ظاهرة الساعات الإضافية "الإجبارية"، وتفاقم ظواهر الغش والرشاوى في الامتحانات. كنا ننتظر من وزارة التعليم أن تُفعل ما يمليه الواجب حول ظاهرة خطيرة ومشينة على أبواب الثانويات في المغرب وهي ظاهرة التحرش الجنسي واصطفاف السيارات لاصطياد تلميذات في عمر الزهور. لكن يبدو أن الهيب هوب أهم بكثير.. أهم حتى من الكرامة والشرف..!! اعتقدنا أن وزارة التعليم يهمها أكثر إنقاذ التعليم العمومي وخلق مساواة بين أبناء المغاربة في هذا المجال والتوقف عن تعليف التعليم الخاص الذي تحول إلى وحش، لكن يبدو أن الهيب هوب أولوية الأولويات في الوقت الحاضر. في كل الأحوال كنا نعتقد أن هذه الحكومة حكومة عقلاء، وأن وزارة التعليم بها حكماء أكثر من المجانين، إلى أن ثبت العكس، لذلك لا بأس من أن نفقد عقولنا، نحن أيضا، ونغني مع بوشناق: خذوا المناصب والمكاسب.. لكن خلونّأ الهيب هوب..!!