المساء اليوم - متابعات: بعد أقل من ثلاثة أشهر على تدشينها بفخامة، ومع ضجيج إعلامي وصفها بـ"السلاح السري" ضد الجريمة المنظمة، بدأت سفينة الدورية البحرية الإسبانية "دوق أومادا" تواجه انتقادات حادة بعد فشلها في إيقاف موجة تهريب الحشيش والكوكايين عبر مضيق جبل طارق، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما وخطورة في العالم. وكانت السفينة، التي كلف بناؤها 35 مليون يورو، وتم تمويل 90 بالمائة منها أوربيا، من المفترض أن تكون الأداة الفاعلة في مواجهة هذه الشبكات، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك مع تسجيل الحرس المدني فشلا متكررا وحوادث عنيفة وتكيفا سريعا للمهربين مع الواقع الجديد. وحسب مصادر إسبانية، فإن السفينة كانت تستعمل في البداية لأغراض لوجستية غير قتالية، إلا أن مصرع اثنين من أفراد الحرس المدني في مواجهة مهربين في خليج قادس، غيّر وجهة خدمتها، ووسعت حكومة مدريد مهامها لتدخل عالم محاربة التهريب، في خطوة يرى محللون أنها جاءت جزئيا لإسكات الاحتجاجات المحلية. وتم تسليم السفينة رسميا في سبتمبر 2025 في ميناء فيغو بحضور وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، الذي وصفها بالاستثمار الاستراتيجي لحماية حدود أوربا. ويبلغ طول السفينة 85 مترا وسرعتها القصوى 22 عقدة ومدى 9000 ميل بحري، وتحمل طائرتين مسيرتين وثلاثة زوارق سريعة مجهزة بأحدث الرادارات ثلاثية الأبعاد، ومقرها في قادس، قرب المضيق، حيث تتعاون مع وكالة "فرونتكس" الأوربية لمكافحة التهريب من المغرب والجزائر. لكن الواقع لم يرقَ للتوقعات، ففي أول أسابيع عملها ارتفعت عمليات التهريب بنسبة 25 بالمئة، وفق تقرير النيابة العامة الإسبانية، مع تركيز على الحشيش العابر من المغرب والكوكايين الآتي من أمريكا اللاتينية. وأبرزت حوادث اصطدام دامية الثغرات بشكل واضح. ففي 21 سبتمبر 2025 وقع اصطدام عنيف بين زورق تهريب سريع وقارب دورية تابع للسفينة قبالة سواحل طريفة، ما أسفر عن مقتل مهرب مغربي فورا وإصابة اثنين آخرين. وأكدت المصادر أن الاصطدام كان عنيفا بسبب سرعة الزورق التي بلغت 60 عقدة مقابل 22 عقدة للسفينة الأم، ما يجعل المطاردة لعبة غير متكافئة. هذه الحوادث ليست الأولى، ففي 9 فبراير 2024 سجل ميناء "بارباتي" في قادس حادثا بارزا حيث اصطدم زورق مهربين مزود بأربعة محركات عمدا بزورق دورية للحرس المدني، ما أسفر عن مقتل ضابطين هما ديفيد بيريز وميغيل أنخيل غونزاليس، وكان الزورق خاليا من المخدرات، مما عزز فرضية أن الهجوم كان متعمدا. وفي فبراير 2025 سجل الحرس حالتي وفاة مرتبطتين بتراجع الضغط الأمني بعد حل وحدة OCON Sur المتخصصة في مكافحة "الناركو"التهريب الدولي المخدرات في 2022، ومع حلول 30 نوفمبر كشف المضيق عن استخدام طائرات مسيرة لتهريب السجائر والحشيش من جبل طارق إلى "لالينيا" الحدودية، وأظهرت تحقيقات إسبانية - بريطانية مشتركة أن السفينة غير مجهزة لمواجهة التهريب الجوي أو السريع، وحتى عملية اعتراض زورق في 25 أكتوبر كشفت عن ثغرة كبيرة، إذ كانت الشحنة جزءا من موجة أكبر نجحت في الالتفاف عبر مسارات بديلة نحو هويلفا. مضيق جبل طارق الذي يفصل بين أوربا وإفريقيا بـ14 كيلومترا، أصبح كما يصفه البريطانيون بـ"السوبر هايواي" للمخدرات، بينما تتحالف الشبكات مع مافيات لاتينية للكوكايين. وكانت الخطة الأمنية الخامسة لـمضيق جبل طارق بميزانية 200 مليون يورو للفترة 2024-2025 قد أجرت 34 ألف عملية منذ 2018، لكن النتائج كانت متواضعة مع انخفاض التحقيقات القضائية بنسبة 15 بالمئة بسبب تكيف المهربين، والانتقادات تتزايد من النواب في البرلمان الأوروبي الذين يتهمون بروكسل بإهدار الأموال على معدات غير فعالة، وتواجه السفينة التي ستشارك في مهام فرونتكس لأربعة أشهر سنويا الآن مطالب بإعادة تصميم أو تعزيز بزوارق أسرع، بينما ينتقل التهريب إلى سواحل غرب منطقة الأندلس، مدفوعا بالمراقبة المشددة في المضيق. اسم "دوق أومادا" مؤسس الحرس المدني عام 1844 كان رمزا للانضباط والفعالية، واليوم تبدو السفينة التي تحمل اسمه رمزا للفشل وسط شبكات تهريب تتطور أسرع من الدولة، ومصدر أمني يؤكد أن الحل يحتاج إلى استراتيجية شاملة وتنسيق مبني على الإنضباط والثقة مع الشركاء في المنطقة.