ربيع عربي.. أم ربيع عبري..!؟

المصطفى معتصم

هل كان الربيع العربي تعبيرا على مطالب الشعوب في الحرية والكرامة أم ربيعا عبريا كما يحلو للبعض أن يسميه أي مؤامرة صهيو-صليبية على استقرار وأمن دول المنطقة؟

من خلال مآلات الربيع العربي في العديد من دول غرب آسيا وشمال إفريقيا ترى بعض الأوساط، أنه كان ربيعا عبريا بمعنى أنه كان مؤامرة صهيوأمريكية نفذتها جهات متماهية مع الاستعمار من أجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة في أفق إعداد الأجواء لتمرير المخططات الاستعمارية وتصفية القضية الفلسطينية. هذا الكلام يردده خصوصا بعض المتعاطفين مع محور المقاومة أي مع إيران وسوريا وحزب الله ويردده بعض القوميين العرب.

شخصيا لست متأكدا بأنه كان ربيعا عبريا وأكاد أجزم أن مثل هذا الكلام يسيء إلى محور المقاومة ولا يخدمها، إذ لا يمكن أن نمنع شعوب العالم العربي والإسلامي التي عانت لعقود من التخلف والفساد والاستبداد من المطالبة بما تتوفر عليه شعوب العالم النامي أو السائر في طريق النمو من حقوق سيادية، ليس من حق أي كان أن يصادر حق الشعوب في المطالبة باقتلاع جذور الفساد والاستبداد والمطالبة بالمحاسبة على المسؤولية وعدم والإفلات من العقاب ورفض تحمل النخب غير الكفأة والرديئة للمسؤولية، أي المطالبة بإزالة المعيقات الحقيقية التي أوصلت الدول في هذه المنطقة إلى مآزق كبيرة لدرجة أن سؤالي استقلالية القرار الاقتصادي و السياسي أصبحا يطرحان بقوة. فجوهر الإصلاح هو تخليق الحياة السياسية والاقتصادية ولن يكون هناك تخليق من دون هزم الفساد كي تمضي الدول بعيدا في إصلاح أمورها. وطبعا هزم الفساد له متطلباته ودفتر تحملاته وله أيضا فاتورته التي على الشعوب دفعها إن أرادت تغيير أمورها نحو الأفضل.
طبيعي أن تلعب إسرائيل و الاستعمار على كل تناقضات الساحات العربية والإسلامية لتمرير مخططاته، لكن ما هو غير طبيعي أن نستمر في تعميق تناقضاتنا وخلافاتنا البينية ونعجز عن الاتفاقات والتوافقات التاريخية بين مختلف الحساسيات الإيديولوجية والعرقية والمذهبية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ أمتنا. فليس من المعقول ولا المقبول، إذا كان الفاعلون السياسيون حكاما ومحكومين، موالاة ومعارضة، قد استوعبوا وجود مخطط تفكيكي استعماري يستهدف الساحات العربية والإسلامية، ألا يرتقي أداؤهم و أجوبتهم كشعوب وأنظمة إلى مستوى التحديات والانتظارات التي تتطلبها هذه المرحلة المفصلية بما يقوى لحمة وتماسك كل ساحة وطنية على حدة ويدعم وحدة الأوطان والمواطنين ويجيب على الانتظارات.
السؤال الذي يجب الإجابة عنه اليوم في كل ساحة من ساحات العالم العربي والإسلامي هو: كيف نخوض المعركة ضد الفساد والاستبداد ونناضل من أجل الديمقراطية/الشورى ومن أجل القيام بالإصلاحات السياسية الضرورية بما يضمن تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والديمقراطية ويحرر في نفس الوقت القرار السياسي لدولنا ومعه نحرر القرار الاقتصادي من الهيمنة الاستعمارية، بما يدعم استقلال الدول ووحدتها ويحول في نفس الآن دون تمرير الاستعمار لمخططاته ومؤامراته التفكيكية، ويحول دون انتشار الفوضى الهدامة وبتزامن مع النضال ضد الاستكبار العالمي والاستعمار والتحرر من الهيمنة النيوليبرالية الجشعة؟.

هذا هو السؤال الذي يجب أن تكون لنا الشجاعة والإبداع للجواب عنه.
عندما صفعت شرطية تونسية محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر 2010، مما دفعه إلى إشعال النار في نفسه، لم تكن تتخيل أنها أعطت الانطلاقة لتحركات شعبية من تونس لتشمل العديد من دول المشرق العربي، ولم يكن أحد يتوقع أن تتساقط العديد من الأنظمة العربية كقطع الدومينو الواحدة تلو الأخرى.
مطالب الشارع في تونس والمغرب وليبيا واليمن ومصر وسوريا ولبنان والعراق والسودان واليمن والبحرين، الخ، كانت مطالب عادلة عبرت من خلالها الجماهير عن رفضها للفساد وغياب العدالة الاجتماعية، وطالبوا بإصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية. لكن ردود الأفعال العكسية التي عبرت عنها أو اتخذتها الأنظمة والحكومات جاءت متباينة من ساحة إلى أخرى، وفي عمومها كانت دون المطلوب.

ولا بد أن نقف عند كل ساحة لنستطيع فهم ومعرفة حقيقة ما جرى. فما جرى في سوريا مثلا مختلف كلية عما جرى في ليبيا أو في اليمن أو في مصر أو في العراق أو في تونس أو في المغرب أوالبحرين. فالتعميم في حكمنا هنا قد يقودنا إلى الخطأ. أكيد أن مطالب الشعوب كانت مشروعة وأكيد أن هناك من المعارضين من فقد البوصلة والتقدير شأنه في ذلك شأن الأنظمة التي لم تتفاعل بالشكل المطلوب مع مطالب شعوبها وأكيد أن الاستعمار الصهيواستعماري قد استغل هذا الوضع، وأكيد أن هناك خونة وعملاء للاستعمار قد أعانوه على نشر الفوضى وتدمير البلدان ودفع دول نحو الفشل، لكن هذا لا يبرر اتخاذ موقف سلبي من مطالب الشعوب المشروعة، بل البحث عن الاستفادة مما جرى وإصلاح ما فسد والتفاعل مع تطلعات الشعوب.
من يعارض المقاومة التي تستهدف تحرير القرار السيادي للدول وتحرير ما استعمر من البلدان وفي مقدمتهم فلسطين السليبة هم الأنظمة المستبدة الفاسدة وليس الشعوب التي لم ولن تتهاون أو تتخاذل عن نصرة القضايا العادلة والدفاع عن مقدساتها وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.

الصراع بين الحاكمين والمحكومين صراع مميت، ومن البلادة تصور أن هكذا صراع يمكن حسمه بالحلول العسكرية والأمنية، بل بمصالحات تاريخية حقيقة تعتمد على إصلاحات ملموسة. مصالحات وطنية يقوم بها الشجعان المتحلون بالجرأة والإرادة في القيام بالإصلاحات المطلوبة والقدرة على لملمة الجراح وطي صفحة الصراعات القاتلة التي تتهدد اليوم أكثر من بلد في هذه المنطقة ولا تخدم سوى أجندات الاستعمار والصهيونية.

في أكثر من بلد من بلدان أمريكا الجنوبية – في الشيلي والأرجنتين والأورغواي والبرازيل ونيكاراغوا وكولومبيا والسلفادور والبيرو، الخ – حدث ما يحدث اليوم في سوريا واليمن وليبيا والسودان، الخ، دارت حروب أهلية لعقود في هذه الدول وخلفت مئات الآلاف من الضحايا والمفقودين ومآسي لا حصر لها، لكن في جل هذه الدول انتهت هذه الحروب بالمصالحات الوطنية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )