زيارة تبون للقاهرة وتصريحات السفير المصري.. “قلة ذوق متعمدة” أم توضيح للموقف المصري غير القابل للتأويل بشأن الصحراء

المساء اليوم – متابعة:

أثار تصريح السفير المصري ياسر مصطفى كمال عثمان بشأن دعم بلاده وبقوة “الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وتأكيده أن القاهرة لا تعترف بما تسمى “الجمهورية الصحراوية” ولا تقيم أي علاقات معها، الكثير من التساؤلات في الجزائر حول توقيت نشره ومضمونه، إذ اعتبرته أوساط جزائرية، “قلة ذوق متعمدة، خصوصاً وأن الرئيس عبد المجيد تبون في مصر”.

ورأت الأوساط الجزائرية أن القاهرة فضلت من خلال تصريح سفيرها الجديد في الرباط، قطع الطريق على تبون في حال أراد الخوض في هذا الملف، وإرسال رسالة الى الجزائر من الباب الخلفي، بأن مصر تُدعم المغرب في ملف الصحراء وتساند وحدته الترابية، “بل ويكشف السفير أن مصر شاركت في مؤتمر لدعم مبادرة الحكم الذاتي، ويعتبر أن الموقف المصري واضح وغير قابل للتأويل”.

وكان السفير المصري الجديد بالرباط، وفي أول تصريح إعلامي له بالمغرب قد أشار إلى أن مصر “كانت قد شاركت في المؤتمر الدولي الذي نظمته المملكة المغربية والولايات المتحدة لدعم خطة الحكم الذاتي في يناير 2021″، مشدداً على أن “الموقف المصري بخصوص دعم الوحدة الترابية للمغرب لا يقبل التأويل أو التشكيك”.

وقالت الأوساط الجزائرية أنه “لم يكن من اللياقة واللباقة السياسية أن تفعل القاهرة ذلك، على الأقل على مستوى التوقيت السياسي المتزامن مع زيارة الرئيس إلى مصر، بل إنه قلة ذوق متعمدة، خاصة إذا علمنا أن السفير المصري في الرباط لم يمض على اعتماده كسفير سوى أيام فقط، بمعنى أنه مشحون بالشكل المطلوب من القاهرة التي تريد أن تحصد مرتين. بالنسبة للقاهرة، الشراكة في التطبيع أهم”.

العلاقات المصرية الجزائرية تترنح وفق ما تمليه الملفات الإقليمية والعربية

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد بدأ يوم الإثنين، زيارة عمل إلى مصر تدوم يومين، وتعد الزيارة ثاني أهم زيارة خارجية للرئيس الجزائري بعد تلك التي قادته مؤخرا إلى تونس، قبل نحو شهر.

وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أن سفر تبون إلى القاهرة سيكون “فرصة لتعزيز العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين وتوسيع مجالات التعاون الثنائي، وكذا مواصلة التنسيق والتشاور حول أهم القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك”.

وتجمع الجزائر بمصر علاقات قوية، خاصة في بداية الخمسينات، حيث كانت القاهرة وقتها وجهة لكبار المسؤولين التاريخيين في الجزائر من أجل الإعداد لإطلاق شرارة ثورة التحرير، ولم تخف مصر، وقتها، دعم ومساندة الجزائريين من أجل تحقيق مشروع الاستقلال الذي تجسد في سنة 1962.

وظلت العلاقات متميزة بين البلدين إلى غاية الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع آنذاك، هواري بومدين، ضد الرئيس الجزائري أحمد بن بلة عام 1965، حيث تعكرت الأجواء بين الطرفين بسبب “الحظوة” التي كان يتمتع بها الأخير عند الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

وتمكن الرئيس هواري بومدين من تجاوز هذه الحساسية الطارئة بين العلاقات بعدها، من خلال السماح بمشاركة الجيش الجزائري في “الحرب العربية – الإسرائيلية”. لكن سرعان ما عادت هذه العلاقات لتتدهور مجددا بعد انخراط الرئيس المصري أنور السادات في معاهدة السلام مع الطرف الإسرائيلي، وإمضائه على اتفاقية “كامب ديفيد”. وقتها قاطعت الجزائر، رفقة بلدان عربية أخرى، النظام المصري وفضلت الانخراط في ما كان يعرف بـ”جبهة التصدي والصمود”.

وظل التنافر مستمرا بين الطرفين إلى غاية مجيء الرئيس محمد حسني مبارك إلى السلطة مطلع الثمانينات، وبقي الوضع يترنح وفق ما كانت تمليه بعض الملفات الإقليمية والعربية.

زيارة تبون للقاهرة وإعداد للقمة..  تأجيل أم مغالطة؟

تأتي زيارة تبون للقاهرة، بعد الجدل الذي أُثير حول تاريخ انعقاد قمة الجامعة العربية بالجزائر، بين نفي الأخيرة بشكل رسمي عدم وجود أية نية لإرجاء هذه القمة، على عكس ما أكده مساعد رئيس الجامعة العربية عندما كشف عن تأجيلها لموعد لاحق بسبب وباء كورونا.

الدبلوماسية الجزائرية اعتبرت الحديث عن تأجيل القمة مغالطة لأن تاريخها لو يُحدد بعد، وإن كان من المعلوم أن القمة العربية تقليدياً تعقد في شهر مارس من كل عام، وكعادتها استبقت الأحداث قبل شهور، واتهمت “عواصم عربية بالسعي لإفشال القمة التي ستعقد في الجزائر”، ليؤشر ذلك إلى المأزق الذي يواجه قمة الجزائر التي يسعى تبون لإنجازها لتكون ممراً لتأكيد عودة الجزائر لمكانتها الإقليمية بعد توليه السلطة.

مصادر مُطلعة قالت إن “تأجيل القمة يأتي لأسباب سياسية رغم نفي الجامعة العربية ذلك”، وأن زيارة الرئيس الجزائري للقاهرة هدفه ضمان مشاركة كل من الملك سلمان بن عبد العزيز أو ولي عهده محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، إضافة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، “فالجزائر تعتبر مشاركة الزعماء الثلاثة من شأنها أن تضمن مشاركة حلفائهم وتعطي زخماً كبيراً للقمة العربية المنتظرة”، وبالتالي تخطي أكبر العراقيل أمام القمة وهي هي العلاقات الجزائرية المغربية”.

فحسب مراقيبن فإن أكبر العراقيل أمام القمة هي العلاقات الجزائرية المغربية، والتي وصلت لأسوأ أحوالها منذ سنوات، حيث قطعت الجزائر علاقتها مع الرباط، وأوقفت خط الأنابيب الذي يمد المغرب بالغاز الجزائري ويذهب إلى إسبانيا، في مؤشر على قطيعة طويلة الأمد على خلفية النزاع حول الصحراء، واتهامات الجزائر للمغرب بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية عبر فتح ملف الأمازيغ لأول مرة.

وتعتبر بعض الدول الخليجية طرفاً غير مباشر في الخلاف المغربي الجزائري بشأن ملف الصحراء، بالنظر إلى اعتراف جل الدول الخليجية بمغربية الصحراء، ودورها في دعم اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة  المغربية بالصحراء.

لكن الخلافات العربية التي تعرقل القمة لا تقتصر على الملف المغربي، ولكن هناك أيضاً الملف الليبي والخلاف حول عودة سوريا للجامعة العربية والموقف من التطبيع مع إسرائيل، ورغم إمكانية تأجيل عودة سوريا للجامعة العربية أو القيام بخطوة رمزية أقل وتنحية الخلافات حول التطبيع وليبيا، فإن الخلاف المغربي الجزائري يظل أكبر العوائق أمام القمة العربية، في ظل صعوبة احتمال تحقيق مصالحة ولو جزئية بين البلدين قبل القمة، وصعوبة إيفاد المغرب ممثلاً لها للقمة حتى ولو على مستوى منخفض في ظل العلاقة المقطوعة بين البلدين.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )