سيارة الجمركي بنصف مليار.. وأشياء أخرى!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

المغاربة المنشغلون بأوكرانيا أكثر من اللازم فاتهم أن ينتبهوا هذه الأيام إلى أوكرانيا أخرى بين ظهرانيهم، وهي عندما تم ضبط جمركي يقود سيارة يقارب ثمنها أربعة ملايين درهم، وبلغة السنتيمات.. 400 مليون سنتيم.

الجمركي الملياردير ربما لم يرث شيئا عن أجداده، وربما لم يعثر على كنز علي بابا، وربما لم يربح في اليانصيب الأكبر، لكنه كان يشتغل في مصحلحة “السكانير” بالميناء المتوسطي. إذن الأمور توضحت بشكل كاف الآن.

الجمركي كانت يقود السيارة في منطقة المضيق بضواحي تطوان، وتم إيقافه بالصدفة وظهر أن أوراق السيارة غير سليمة وأنها تتوفر على ملفين في طنجة والرباط في مركز تسجيل السيارات.

ويعتقد، حتى الآن، أن السيارة التي كان يفترض أن تحمل رقم 40 في لوحتها، عندها ملف آخر في الرباط سيمنحها رقم 1، وشتان ما بين الرقمين، فالمال الوفير يحتاج إلى بعض الأُبهة، لكن ليس هذا مربط الفرس، بل السؤال الأكبر الذي يطرحه المغاربة هو كيف لموظف جمركي يربح أقل من 10 آلاف درهم شهريا أن يقتني سيارة يصل ثمنها إلى 400 مليون سنتيم، ولو قسمنا سعر سيارته على راتبه لوجدنا أنه يحتاج إلى أكثر من أربعين عاما لكي يشتريها.. طبعا من دون أن يأكل أو يشرب.

من حق الجمركي أن يدافع عن نفسه ويشرح للناس كيف حصل على كل هذه الأموال، لكن يمكنه أيضا أن يقول صراحة إنه ليس الوحيد في هذه البلاد الذي يربح 8 آلاف درهم ويقتني سيارة يقارب ثمنها نصف مليار سنتيم. وعموما لا حاجة للجمركي لكي يقول ذلك، فالمغاربة كلهم يعرفون أن طبقة محظوظة في هذه البلاد، عثروا لوحدهم على جزيرة الكنز، لأنهم يتوفرون على خارطة الطريق.

في بلدان الغرب يمكن للناس أن يدرسوا حتى يشيب شعرهم ويشتغلوا حتى تنحني ظهورهم، وبينهم أصحاب جوائز نوبل، لكنهم لا يستطيعون أبدا اقتناء سيارة بنصف مليار سنتيم، وعندنا يمكن العثور بالصدفة على جمركي كان يشتغل بمصلحة السكانير في منطقة حدودية لكي يفعل ذلك.

عموما، لا يجب أن نظلم هذا الجمركي لأنه ليس الوحيد في هذه البلاد، هناك كثيرون مثله وأكثر منه، هناك مراهقون يركبون سيارات يفوق سعرها سعر فيلا فارهة، وهناك نساء يركبن سيارات مثل الصواريخ وهن مستعدات لإطلاق لقب “حمار” على جميع الناس، راكبين وسائقين، وعند أول مشاحنة في الطريق يضغطن على هواتفن ليأتي الحل السريع.

المتناقضات في هذه البلاد ليست عجيبة، بل مقززة، وبقدر ما هنالك كثير من المغاربة يتمنون ألا ياتي الصباح أبدا حتى لا يعودوا مجددا إلى التفكير في متطلبات الحياة اليومية، فهناك مغاربة (كثيرون أيضا) يتصرفون مع المال وكأنها أكوام من الحجارة. وحتى لو أحرقوها فإن ذلك سيتطلب وقتا طويلا وسيضر دخانها ثقب الأوزون.

وقبل بضعة أسابيع، دخلت سيارات من ميناء الجزيرة الخضراء نحو الميناء المتوسطي مثل العرائس بصفر كيلومتر، إحداها سيارة “رولس رويس” بحوالي 700 مليون سنتيم، وهناك سيارات أخرى كثيرة تدخل هذه البلاد وتجعلنا نكتشف أننا في طريق خطير جدا.

هناك مغاربة ينهضون كل صباح ويحسبون كم بقي في المطبخ من زيت وسكر، ويحرّكون قنينة الغاز لمعرفة إن كانت لا تزال صبورة معهم، ثم يخرجون من منازلهم وهم يرجون الله أن ينجحوا في العودة مساء بقفة رزق إلى عيالهم.

وهناك مغاربة يستيقظون كل مساء، لأنهم ينامون صباحا، ويتأملون أساطيل سياراتهم ويخوتهم وأرقام أرصدتهم ولوائح ضيعاتهم وأملاكهم، ويزمّون شفاههم أسفا ويقولون هل من مزيد…

في هذه البلاد يمكن للإنسان أن يصاب بجلطة لسبب رئيسي، وهو حين يتأمل هذه الفوارق الطبقية التي صارت تنذر بشر مستطير.

نعود إلى قضية سيارة الجمركي ونقول إنه مثال صغير جدا على حالة مستعصية من انعدام التوازن، وإذا استمرت الوحوش في نهب أي شيء واعتبار الآخرين مجرد حشرات.. فهذه من العلامات الكبرى…

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )