عبد الله الدامون لن نضيع الكثير من الجهد في وصف العالم بالنفاق، لكن يمكننا أن نقول إن الغرب، والمقصود أمريكا وأوربا، لم تكن في يوم ما على كل هذا القدر من الخسة والدناءة والكذب. إننا نعيش اليوم ما يشبه مهرجانا عالميا ضخما في الحقارة. إسرائيل تعرف جيدا أنها تعول على أصدقاء مخلصين في واشنطن وبرلين ولندن وباريس وغيرها، ولو أن مساعدات هذه الدول توقفت لأسبوع فلن تستطيع إسرائيل العيش لأسبوع واحد، والمساعدات لا تعني فقط السلاح والمال، بل تعني أيضا الكثير من النفاق وقلب الحقائق والتواطؤ المقرف. العالم كله يعرف أن قادة إسرائيل ينبغي أن يجلسوا فورا في الأقفاص المخصصة لمقترفي الجرائم ضد الإنسانية، لكن عوض ذلك تنهال عبارات المديح والدعم على هؤلاء القتلة، ليس لأن قادة إسرائيل أقوياء جدا، بل لأن أوربا وأمريكا أنشأت إسرائيل وتريدها أن تبقى بأية وسيلة. لكن الغرب الذي أنشأ إسرائيل يريدها أن تبقى بعيدة، ولا مشكلة لديه في مدها بكل أسباب الحياة، فالأوربيون والأمريكيون هم أكبر من يكرهون اليهود، وهم الذين اختاروا لهم فلسطين حتى يذهبوا بعيدا، فقط كان من الممكن جدا أن يختاروا لهم مكانا جميلا وهادئا ورومانسيا في أوربا أو أمريكا، لكنهم لا يريدونهم إلى جانبهم.. والإسرائيليون يعرفون هذا جيدا لذلك يحاولون استغلال ذلك بأقصى الوسائل الممكنة. كل الدول التي تقدم اليوم دعما أعمى لإسرائيل سبق أن اضطهدت اليهود في زمن قريب أو بعيد، ومن الصعب العثور على بلد أوربي لم يطرد اليهود أو ينكل بهم في وقت من الأوقات، والآن يجب على الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن! يخشى قادة أوربا وأمريكا أنه في حال تعرض إسرائيل لهزيمة كبيرة فإن اليهود سيختارون العودة مجددا إلى أوربا وأمريكا، وفي كل دواليب الحكم في أوربا وأمريكا يبدو القادة مستعدون للقتال مع إسرائيل حتى آخر رصاصة، شرط أن يبقى اليهود بعيدين. اليهود بدورهم يعرفون هذه الحقيقة المرة، ويدركون أنهم يعيشون في مكان لم يختاروه أبدا، بل اختارته لهم الصهيونية العالمية التي تديرها رؤوس لا علاقة لها بالديانة اليهودية الحقة، فأتباع اليهودية المخلصون يعرفون أن خلاص اليهود في شتاتهم وليس في تجمعهم. قادة إسرائيل يعرفون كل هذا لذلك يخافون كثيرا من المستقبل، بل يحسون بالرعب مما يمكن أن يحدث، وكثيرا ما تنبأ قادتهم بالعمر القصير لدولة إسرائيل. لهذا السبب تبدو الآلة العسكرية الإسرائيلية مهووسة بقتل الأطفال الفلسطينيين، ليس لأن هؤلاء يحملون رشاشات ويحاربون، بل فقط لأنهم يمثلون المستقبل، والمستقبل هو العدو الأول لإسرائيل. منذ نكبة 1948 لم تتوقف إسرائيل، ومعها الغرب، عن القتل والذبح والتهجير والإبادة، لكن الفلسطينيين لا يزالون أحياء وصامدين، إنهم لا يشبهون أبدا شعوبا تعرضت للإبادة واختفت مثل الهنود الحمر في أمريكا أو السكان الأصليين في أستراليا وأماكن أخرى من العالم، فلسطين قصة مختلفة، وهذا أكثر ما يؤرق إسرائيل والغرب. العالم كله يعرف أن إسرائيل أول وأكبر دولة عنصرية في العالم، ولن تقبل أبدا بحل الدولتين، وهي حالة فريدة لرفض السارق العيش جنبا إلى جنب مع صاحب الأرض المسروقة، وحتى عندما قبل الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، بكل الحلول المؤلمة في اتفاقيات أوسلو، وجد نفسه في النهاية في دولة رقيعة لا يستطيع فيها أن يمدد رجليه من دون إذن تل أبيب. في كل الأحوال فإن اليهود كان بإمكانهم أن يعيشوا في مواطنهم الأصلية، بما فيها فلسطين، بكثير من الارتياح والقدرة على الحفاظ على ثقافتهم وكل مظاهر تدينهم، لكن الفكر الصهيوني اقتلعهم من بيآتهم الأصلية وزرعهم في بيأة غريبة عنهم، بل فرض عليهم نمط حياة وفق نظرية "إما أن تقتل أو تقتل" و"نحن شعب الله المختار".. و"نحن السادة والعرب عبيدنا".. و"الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت".. بينما لم يكن اليهودي مجبرا على اعتناق هذه النظريات البشعة في أي مكان من العالم. لقد تحول قادة الصهيونية إلى مجرد صعاليك يتفوقون على أفراد العصابات بسنوات ضوئية، وهذا لا يشكل خطرا على الفلسطينيين فحسب، بل على اليهود أنفسهم..! damounus@yahoo.com