المساء اليوم - هيئة التحرير: يبدو الوضع السياسي والحزبي بالمغرب وكأنه قد تجاوز مرحلة الضعف والوهن إلى مرحلة العبث، والعبث ينتج عن الفراغ والفوضى والجهل وغياب الأهداف. وقبل أيام نشبت "حرب أهلية" بين قادة حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يطلق عليه كثيرون اسم "حزب المخدرات"، واتهم وزير العدل والقيادي بهذا الحزب، عبد اللطيف وهبي، زميلته ورئيسته في الحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، بأنها غير قادرة على قيادة الحكومة المقبلة لأنها "مريضة"، من دون أن يكشف عن طبيعة مرضها. ومن الأكيد أن المنصوري، التي تحلم كل ليلة، قبل الفجر وبعده، بقيادة حكومة المونديال، قد أدركت وجع هذه النيران الصديقة التي انطلقت من رشاش الوزير وهبي، الذي كان هو نفسه، بطل فضيحة أخرى تخص التهرب الضريبي، إلى درجة أن كثيرين طالبوا باستقالته الفورية، لكن هل سبق أن استقال مسؤول حزبي أو سياسي بالمغرب بسبب فضيحة..!؟ ولا يبدو حاليا حزبا مرتبطا بالفضائح أكثر من حزب "الأصالة والمعاصرة"، هذا الحزب الذي تورط عمدته بطنجة في فضائح كثيرة ومثيرة، آخرها تورطه في صب كميات هائلة من سموم "اللكسيفيا" الخطيرة بمياه البحر بمضيق جبل طارق، وهي جريمة بيئية خطيرة جدا المقاييس مافيوزية، ثم هرب إلى إسبانيا لقضاء عطلة باذخة في أحد أغلى المنتجعات، وترك مئات الآلاف من المغاربة يسبحون في مياه مسمومة..! وفي الأيام القليلة الماضية تفجرت فضيحة أخرى تهم زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، الذي يقود الحكومة، بعد أنباء عن منحه مبالغ مالية كبيرة لمدونة وعدته "بوضع عبد الإله بنكيران عند حده"، فأخذت مقابلا بحوالي مليون درهم، ثم مبلغا آخر أقل، وكل ذلك مباشرة من عند أخنوش، الرجل الذي يعرف جيدا كيف يخلق دولته الاجتماعية الخاصة..! ويبدو أن هذه المدونة كانت عند وعدها، فأنتجت حلقة نارية، وربما أكثر عن بنكيران، ثم صمتت عن الكلام المباح، وزيد الما.. زيد الدكيك.. آسي عزيز. ولم يكن حزب الاستقلال، الذي بشكل جزءا من التحالف الثلاثي للحكومة، خارج هذا العبث، وتكفي حكاية واحدة فقط لتوضيح بعض العبث، عبر محاولة أسرة بركة، الاستيلاء على مئات الهكتارات بجبل العلم، بما فوقها من حجر وبشر..! مجرد أمثلة محددة لحزبين يقودان الحكومة الحالية، وقد يقودان الحكومة المقبلة، بينما هناك الكثير جدا من الحكايات الغريبة والمثيرة، ولن نتحدث عن باقي الأحزاب التي يقتصر دورها على دور "العطّاشة"، التي تعيش على نهب ممنهج للمال العام بمختلف السبل. إنها مشاهد عبثية لواقع حزبي مغربي ما فتئ يؤكد، لمن يريد تأكيدا، أن الأحزاب المغربية مجرد دكاكين انتخابية، لا تقدم ولا تؤخر سوى أنها تصفق عندما يُطلب منها ذلك، وتحتج عندما يأمرونها بذلك، وتصمت أو تنطق حسب الطلب، بينما نصيبها في الكعكة والمال العام مضمون. والمعضلة أنه في مقبل الشهور والسنوات سيكون المغرب على موعد مع تظاهرات عالمية كبرى، ستتولى تدبيرها أحزاب "قزمة" بقادة ينظرون إلى ظلالهم المتمددة قبالة الشمس المائلة فيتوهمون أنفسهم عمالقة. إنها مشاهد حزينة لبلد كان من الممكن أن يعيش بلا أحزاب.. ويكون بألف خير.