عزيز غالي: المواطنة والأممية.. والصحراء!

المساء اليوم – هيأة التحرير:

من المفارقات العجيبة التي حدثت مؤخرا هذه الأيام أن الجزائر تعتقل كاتبا جزائريا شهيرا، هو بوعلام صنصال، بسبب مواقفه الواضحة من قضية الصحراء، بينما في المغرب يصرح رئيس أحد أبرز جمعيات المجتمع المدني بأنه يدعم “تقرير المصير”..!

قد يدخل هذا المشهد في إطار “شر البلية”، لكنه لا يضحك للأسف، فمن غير الطبيعي أن يقدم المغاربة تضحيات كبيرة بأرواحهم ودمائهم في سبيل قضية الوحدة الترابية لوطنهم، بينما تنادي جمعية تقول إنها مغربية، بتقرير المصير في الصحراء.. في ممارسة فعلية لرجع الصدى الانفصالي.

يعرف عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي أطلق التصريحات المثيرة للجدل حول “تقرير المصير، أو “الحل الذي يرضي جميع الأطراف”، أن ما تنادي به الجمعية أصبح متجاوزا حتى في دواليب الأمم المتحدة، وتعرف الجمعية أيضا أن البوليساريو نفسه أصبح قريبا من البحث عن حل يحفظ له ماء الوجه، ويحفظ أيضا بعضا من ماء وجه الجزائر، وهذه ليست مجرد حماسة وطنية زائدة، بل هو الواقع الذي لا يريد البعض رؤيته.

لا نريد أن نستل الخناجر لطعن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فقد أدت هذه الجمعية الكثير من الخدمات النبيلة التي تدخل في صلب مهامها، ونبهت إلى الكثير من الاختلالات الحقوقية والسياسية، لكن ما حدث مؤخرا هو أن هذه الجمعية هي من تكفلت باستلال الخنجر لطعن القضية الأولى للمغاربة.

من الأكيد أن عزيز غالي يرى حاليا الحبور الكبير في وسائل الإعلام الجزائرية أو التي تدعم طروحات الانفصال، ومن القاسي جدا أن نضطر لوصف جمعية مغربية بأنها صارت تشكل طابورا خامسا للخصوم.. نستخدم هذا الوصف لأننا لم نجد له بديلا للأسف.

من المؤسف أن نقول إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لا تزال تعيش على إرث متهالك من الأفكار والنظريات التي تريد إسقاطها على واقع حالي مختلف تماما، وكأن الجمعية توقف بها الزمن سنوات السبعينيات، أو أن أعضاءها أصيبوا بما يسمى طبيا “توقف النمو”، وهذا مرض نادر لكنه يحدث، ويكون سيئا جدا حين يصيب الأدمغة وليس فقط الأجساد.

كثيرا ما تماهينا مع الجمعية في الكثير من آرائها الحقوقية والسياسية، لأن ذلك يدخل في صميم مهامها، وكثيرا ما تعاطف الناس مع الجمعية بسبب مواقفها القوية والصريحة التي تهدف إلى تقويم اعوجاجات هنا واختلالات هناك، لكن الاعوجاج صار اليوم في قلب مواقف الجمعية وآرائها حول قضية الوحدة الترابية.

نعرف أن الجمعية مغربية مائة في المائة، وأنها تتلقى أيضا دعما عموميا، وأنها ليست تابعة للأمم المتحدة أو هيآت دولية، وأنها تتعامل بالدرهم وليس بالدولار أو الدينار، لذلك كنا نأمل أن تبقى وفية لمغربيتها ولو في قضية الوحدة الترابية على الأقل.

يعرف عزيز غالي ورفاقه في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن الصحراء ليست ملكا لشخص أو جهة أو حزب، بل هي ملك لهذا الوطن ولكل أجياله السابقة والحاضرة واللاحقة. وتعرف الجمعية أن الكثير من المناطق الشاسعة نهبتها فرنسا من المغرب وسلمتها للجزائر زمن الحماية، وتعرف الجمعية أن “الأشقاء” في الجزائر كان لهم، ولا يزال، حلم يصل حد الهوس، وهو محاصرة المغرب من كل الجهات، حتى ينطبق عليه وصف “الجزيرة المعزولة”، بينما تصبح الجزائر بالفعل “البلد القارة”.. قارة بأراضي منهوبة من جيرانها بفضل الاستعمار..!

ويعرف الرفاق في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن موضوع الصحراء انتهى، وأن مغربيتها مسألة منتهية، وأن العالم صار يبني تصوراته على هذا المعطى، وهو ما تؤكده مواقف الدول الكبرى من الملف، وهو ما سيتأكد أكثر من خلال مواقف أخرى لبلدان وازنة تسير في اتجاه تأكيد ما هو مؤكد، وهو أن مغربية الصحراء لم تعد موضوعا قابلا للمراجعة أو التردد.

في النهاية، نذكر الرفاق في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببعض ما جرى أيام “سنوات الرصاص”، حين كانت السجون ملأى بمعتقلي الرأي، وأغلبيتهم من تيارات اليسار على اختلاف تشعباته، والمثير أنه خلال تلك المرحلة عبرت الأغلبية الساحقة من المعتقلين، من داخل السجون، عن موقف واضح وجلي من مغربية الصحراء، على الرغم من الخلافات العميقة والمزمنة بين المعتقلين وطبيعة الحكم.

الصحراء في ملكية المغاربة ولن يأخذها معه أحد إلى أي مكان. إنها حق تاريخي وشرعي وأخلاقي، لذلك أشفقنا كثيرا لموقف جمعية اتفقنا معها في أحيان كثيرة، فصرنا نخشى أن تكون لها أجندة لا علاقة لها بالمغرب والمغاربة، حتى لا نقول ضد المغرب والمغاربة.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )