عمدة طنجة… بين رخصة “البادل” ونشرة الطقس التنموية!

المساء اليوم – ر. ناصر

 

في مشهدٍ أقرب إلى الكوميديا الإدارية، خرج عمدة طنجة ليشرح للرأي العام تفاصيل رخصة ملعب البادل المثيرة للجدل، لا من موقع المسؤول السياسي، بل من موقع مقدّم نشرة جوية يحاول التنبؤ باتجاه الرياح الاستثمارية في المدينة.

بابتسامة محسوبة وخرائط افتراضية في الخلفية، راح العمدة يشرح للرأي العام وكأنه يقدّم نشرة أحوال الرخص:

“من جهة مالاباطا، تمرّ غيوم خفيفة من المشاريع الرياضية، واحتمال صدور رخص جديدة يبقى مرتفعاً… أما موجة سوء الفهم الإعلامي، فستنحسر تدريجياً مع تحسن الضغط الإداري!”

ولم يكتفِ العمدة بالنشرة، بل فتح على الشاشة البوابة الإلكترونية الخاصة بالرخص، يشرح طرق عملها وكأنها إنجاز تكنولوجي خارق:

“ها هي المنصة الرقمية، المواطن يضغط هنا، ثم يملأ هذه الخانة، ونحن ندرس الطلب بشفافية تامة…”

لكن ما لم يقله هو أن البوابة تفتح ببطء، والشفافية ما زالت قيد التحميل.

وخلال اللقاءات التشاورية حول الجيل الجديد من البرامج التنموية، جلس العمدة وسط الحضور، مشغولاً بهاتفه الذي لا يتوقف عن الرنين.

يتلقى الرسائل من كل صوب، فيردّ بنبرة واثقة:

— «لا لا، الرخصة قانونية، غير سوء فهم بسيط!»

ثم يرفع رأسه متسائلاً وسط القاعة:

— «فين وصلنا؟ واش أنا فالتنمية المستدامة أو 5G؟»

فيرد عليه أحد مرافقيه مبتسماً:

— «راك فالبادل، سيدي العمدة!»

لنعود إلى مواصلة العمدة الذي استأنف شروحاته المطوّلة حول كيفية استعمال البوابة الإلكترونية للرخص، يتنقّل بين الصفحات على الشاشة كما لو كان يعرض خريطة جوية لتحرّكات السحب الاستثمارية في المدينة.

بصوتٍ مفعم بالثقة، راح يشرح خطوات التسجيل والضغط على الأيقونات، وكأنه يقدّم دروسًا في النقر الإلكتروني أكثر مما يقدّم رؤية تنموية.

لم يعد أحد يعرف إن كنا أمام ندوة حول “التنمية المستدامة” أم عرض تجريبي لتقنية “البادل الرقمي”!

لكن ما زاد من ثقته بنفسه هو النجاح الذي أعقب إعلان اليونسكو إدراج مدينة طنجة ضمن شبكة المدن المبدعة في مجال الأدب.

لحظةً اعتبرها العمدة “انتصاراً شخصياً”، رغم أن هذا التصنيف لا يليق بطنجة التي منذ نصف قرن وهي تحاول أن تدرج كمدينة التراث الانساني العالمي، حتى قال عبارته الشهيرة أمام الجميع مجازا وفي الخيال طبعا وكأننا جميعا نقرأ غلق فمه ورفع همة رأسه في الاعلى كالجندي المنتصر:

“سأنتصر لأنني أنا، وسأبقى أنا، حتى وإن توصلت بتهديدات الداخلية… سأبقى أنا!”

عبارة تختصر تضخّم “الأنا” في زمنٍ تحتاج فيه المدينة إلى إنصاتٍ أكثر من خطابة، وإلى تواضعٍ أكثر من عناوين البطولة الفردية.

قال بعضهم إنه تأثر بالراحل عزيز الفاضلي أو بالراحلة سميرة الفيزازي في طريقته المسرحية، لكنه نسي أن الإعلام هو فن الإقناع وإيصال الحقيقة، لا الكلام في الوحل الإداري الذي أوصله إليه حارس أختامه ممن يوزّعون المشورة كما يوزّعون المديح.

ومع كل هذا، تبقى طنجة أكبر من الرخص والنشرات.

مدينة الأدب والإبداع والهوية المتوسطية، التي لا تختزل في منصة إلكترونية ولا في مشهد مملوء بالغرور.

فإذا كانت رخصة البادل قد أثارت الغبار، فإن طنجة الإبداع والإنسان هي السماء التي لا يجب أن تحجبها غيوم الأنا.

وربما يحتاج العمدة فقط إلى تذكير بسيط:

المدينة ليست نشرة جوية…

ولا تُدار بنظام “الردّ السريع”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )