المساء اليوم - هيأة التحرير: بعد تسمية رئيس وزراء جديد في ليبيا يكون هذا البلد المغاربي دخل فصلا جديدا من الفوضى المنظمة، وهي فوضى قد تستمر لزمن طويل، والشعب الليبي وحده سيؤدي ثمنها. ولا يبدو، حتى الآن، أن رئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد الدبيبة، سيستسيغ تعيين رئيس وزراء جديد، فتحي باشاغا، وهو ما يعني أن الانقسام الليبي دخل فعليا مرحلته الأكثر حرجا، وأن كل الآمال التي كانت معقودة على السياسيين الليبييين لإنهاء الأزمة قد ذهبت أدراج الرياح. ما يهمنا أكثر في الموضوع الليبي هو المجهود الكبير الذي بذله المغرب من أجل حلحلة الوضع الداخلي لهذا البلد المغاربي وإعادته بسرعة إلى وضعه الطبيعي كبلد له قوته ووزنه في محيطه الإقليمي والدولي، وأيضا دوره الكبير في استقرار المنطقة. لكن كل الجهود المغربية يبدو أنها ذهبت سدى لأن العقليات المتحكمة حاليا في الوضع الداخلي الليبي لم تصل بعد إلى درجة النضج المطلوب من أجل إخراج البلد من عنق الزجاجة، بل من عمق الزجاجة، وهو ما سيجعل الجهود المغربية والدولية لإنقاذ البلاد تتراجع وترك السياسيين الليبييين "يعومون في بحرهم". لقد حاولت الدبلوماسية المغربية لعب دور محوري من أجل المصالحة الليبية، ومنع الانقسام السياسي، وحتى الجغرافي، بين شرق ليبيا وغربها، والإبقاء على طرابلس وبنغازي بلدا واحدا، لكن يبدو أن للفرقاء الليبيين رأيا آخر. في كل الأحوال لا يمكن للمغاربة أن يكونوا ليبيين أكثر من الليبيين أنفسهم، لذلك فإن الواقعية السياسية تتطلب أن ينأى المغرب بنفسه عن الوضع الليبي، لأن المجهودات المغربية كان يجب أن تجد سياسيين ناضجين وليس ملاكمين في حلبة ضيقة الجميع فيها يلكم الجميع. قد لا نجازف إن قلنا إن الليبيين فاتهم قطار التاريخ، ولم يستفيدوا من التجربة اليمنية، هذا البلد الذي انقسم وتوحد ثم انقسم وقد يتوحد، وفي كل هذا الوقت ضاعت الكثير من الجهود والثروات والأرواح، وبقي اليمن في أسفل سلم البشرية. ليبيا اليوم تسير في هذا الاتجاه، وربما أسوأ، وقريبا قد نجد أنفسنا أمام ليبيا الشرقية وليبيا الغربية، فنتأسف على زمن القذافي، الذي سبق أن تنبأ بهذا الوضع قبل إسقاطه، رغم أنه مسؤول رئيسي في الإبقاء على العقلية الليبية حبيسة الجغرافيا والقبيلة. من حق المغرب، إذن، أن يعتبر نفسه خارج كل هذه الحسابات المجنونة للفرقاء الليبيين، فالحكمة المغربية القديمة تقول "انْهيه.. وإذا عْما خليه".. والسياسيون الليبيون أصيبوا بعمى شبه كامل، ويمكنهم أن يبحثوا عن حلول لوحدهم. أما بالنسبة لباقي العالم فإنه لن يأسف كثيرا على الوضع الداخلي الليبي، فهذا البلد الغني بالنفط والثروات يجب أن يغرق أكثر في الفوضى، وفق المنطق الغربي، ومن الأفضل أن تحكمه المليشيات عوض حكومة موحدة، وأن يبقى بؤرة توتر في المنطقة عوض ركيزة استقرار. من المؤسف أن السياسيين الليبيين لم يأبهوا بالعملية الانتقالية التي كان من المفترض أن تضع حدا للأزمة التي استمرت منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، لذلك يمكنهم أن يتحملوا مسؤوليتهم كاملة، والتاريخ وحده سيحاسبهم على كل هذا الغباء.