لماذا لا يصدق المغاربة أنهم 37 مليون.. فقط لا غير..!

المساء اليوم – هيأة التحرير:

حتى قبل إجراء الإحصاء العام للسكان شهر شتنبر الماضي، كانت نظرية المؤامرة تسيطر على الشارع المغربي، وظل الناس يرددون أن هناك مؤامرة تحاك ضد البلاد عبر إطلاق أكاذيب تقول إن عدد المغاربة 35 أو 36 مليون.

وعندما ظهرت نتائج الإحصاء مؤخرا ضرب أنصار نظرية المؤامرة على صدورهم، مثل طرزانات، وصرخوا: ألم نقل لكم إنها مؤامرة..!؟

لكن المشكلة هي أين تكمن المؤامرة فيما يخص تعداد عدد السكان. ففي الهند مليار ونصف المليار، ومع ذلك فلا أحد هناك يفتخر بهذا العدد المفزع من الناس، بينما دول بها بضع مئات من الآلاف تحقق نسبة تنمية مذهلة.

ربما يعتقد المغاربة أن هناك جهات ما تقلل من أعدادهم حتى لا يصابوا بالفزع من المستقبل، لكن في كل الأحوال فإن المغاربة، كانوا مقتنعين قبل سنوات طويلة، بأنهم أكثر من 40 مليون نسمة, دون احتساب المغاربة الموزعين في مختلف أصقاع الأرض..!

ربما يعتقد المغاربة أنهم كثيرون لأنهم يتزاحمون في كل مكان.. في الأسواق والحافلات والقطارات والمقاهي والشوارع والمدارس والملاعب.. فيتسبب ذلك في شيوع اعتقاد واهم بأننا أكثر عددا من سكان الصين الشعبية.

لكن الحقيقة ليست بهذه الدرجة من الكوميديا، فنحن فعلا قليلون جدا، ونحن فعلا شعب معرض للانقراض، ونحن فعلا شعب مهدد في مستقبله في كل المجالات، بدءا بالديموغرافيا وانتهاء بالتنمية.

في سنة 2014 كنا 33 مليون، وبعد عشر سنوات صرنا أقل من 37 مليون، وهذه حقيقة مفزعة، لأن هناك تداعيات اجتماعية واقتصادية كبيرة لهذا المعطى. ولو بقينا على هذا المنوال لبضعة قرون فسنتعرض للفناء، ولن يبقى على وجه الأرض شيء اسمه الشعب المغربي، وما قد يتبقى منا سيذوب في مجتمعات بشرية أخرى.

كان المغاربة يعتقدون أنهم يلدون كثيرا، فاكتشفوا، فجأة، أنهم من أقل شعوب العالم ولادة. وكانوا يعتقدون أنهم أكثر من اللازم، فاكتشفوا أنهم أقل من اللازم.

طوال العقود الماضية ظل التلفزيون ووسائل الإعلام الرسمية تنصح المغاربة بالتقليل من الولادات، وأصبحت الأسرة المثالية والمتحضرة هي التي لا يزيد عددها عن أبوين وطفلين، أو طفل واحد، ولا تكاد توجد اليوم أسرة يزيد أفرادها عن ثمانية أو عشرة. لقد صار ذلك الزمن من الخيال.

لقد شهد معدل النمو السكاني انخفاضا متواصلا طيلة العقود الماضية، إذ انتقل متوسط هذا المعدل من 2.6% بين 1960 و1982، إلى 1.25% بين 2004 و2014، ووصل إلى 0.85% بين 2014 و2024.

بالمقابل ارتفع عدد الأسر مقارنة بإحصاء 2014 بحوالي مليون و900 ألف أسرة، أي بمعدل نمو سنوي يقدر بنحو 2.4%. لكن مقابل نمو الأسر، قل عدد أفراد الأسر.

كما أننا بقينا لعقود نصدر شبابنا إلى مختلف بقاع العالم ونظن أننا نحقق إنجازات عظيمة، وأن العملة الصعبة أهم من سواعد العمل، أو أن الأفواه المحتجة ستقل، بينما نحن نضرب مستقبلنا في الصميم لأننا بعد سنوات قليلة سنضطر لاستيراد أيدي عاملة من أمكنة ما. ربما من إفريقيا أو آسيا.

في مقبل السنوات والعقود سيصبح عدد كبار السن في المغرب رهيبا، وسيصبح الشباب أندر من بيضة الديك، والمثير أن ذلك سيحدث في وقت يبدو أن المغرب بدأ يحس بأهمية التنمية الحقيقية وقيمة السواعد والأدمغة، لكن بعد أن صدرنا الكثير من سواعدنا وأدمغتنا إلى الخارج.

اليوم، نحن أمام واقع مختلف تماما. فالهجرة نحو الخارج ستزداد لأننا لا نزال لا نعرف كيف نوفر القوت والكرامة لكل المواطنين، وعندما ستحين ساعة الجد، سنضطر لتوفير القوت والكرامة لغرباء يأتون للعمل عندنا.

كوميديا سوداء.. لكنها حقيقية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )