المساء اليوم: جميل جدا أن يحتضن المغرب مؤتمرا عالميا حول السلامة الطرقية، وسيء جدا أن يتم إغراق المدن المغربية بمئات الآلاف من الدراجات النارية التي لا تعترف بقانون ولا بأخلاق.. ولا بأي شيء. وأسوأ من كل هذا أنه خلال المؤتمر، الذي حضره خبراء من كل العالم وعرف مشاركة جيش من البشر، أي 5000 شخص من 130 بلدا، وحظي بتغطية إعلامية كبيرة جدا، لم يتحدث فيه أحد عن المعضلات الحقيقية للطرقات في المغرب، التي أصبحت تعرف تسيبا غير مسبوق، وتم إغراقه بمئات الآلاف من الدراجات النارية المتوحشة، التي يقودها جيش من الجهلة والمعربدين. وخلال المؤتمر قدم ممثلو مختلف الدول السياسات والإجراءات التي يعتزمون اعتمادها لتحقيق هذا الهدف. وتشمل هذه الالتزامات (الخاصة، والقابلة للقياس والتحقيق، والواقعية والمحددة زمنيا) واعتماد تشريعات جديدة، وتحسين البنيات التحتية الطرقية، ودمج التكنولوجيات المبتكرة، وتعزيز أنظمة جمع المعطيات. كما تم التعهد بتوفير تمويل إضافي بهدف ضمان التنفيذ الفعلي لهذه المبادرات. ومن أجل ضمان تتبع هذه الالتزامات، دعا المشاركون إلى تعزيز التعاون مع جميع الجهات المعنية، مشددين على أهمية إرساء إطار فعال للحكامة بهدف تسريع التقدم. لكن للأسف، في كل هذا الكلام ووسط الخطب الرومانسية الرنانة حول السلامة الطرقية، لم تتوفر في المشاركين الشجاعة لكي يتساءلوا عن المسؤولين عن إغراق الشوارع المغربية بهذا العدد الرهيب من الدراجات النارية، والتي فاقمت بشكل مهول أرقام ضحايا حوادث السير، وحولت الشوارع المغربية إلى قطعة من الجحيم. لم يجرؤ المشاركون في مؤتمر مراكش على وصف الواقع كما هو، وقضوا بضعة أيام في "العز والنغنغة" في فنادق 5 نجوم، ثم أصدروا توصيات وبيانات ختامية تشبه الشعر في سوق عكاظ، وعاد كل واحد إلى بلده أو مدينته سالما غانما، وبقي الوضع كما هو، حيث يفكر المواطن المغربي ألف مرة قبل أن يحرك سيارته كل صباح، بينما قالت وسائل الإعلام الرسمية إن المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية حقق نجاحا باهرا على جميع المستويات، من دون توضيح طبيعة هذه "المستويات"، وعما إذا كانت حلوى بلدية أم بسطيلة بالسمك..! نرى يوميا في الشوارع المغربية مشاهد يندى لها الجبين. دراجات نارية لا تعترف بأي شيء.. لا بالقانون ولا بالبشر ولا بالأخلاق ولا بالإنسانية، ومع ذلك لا أحد تحدث عنها في المؤتمر العالمي بمراكش. نرى في كل ساعة وكل دقيقة وثانية هذه الدراجات النارية تسير فوق الأرصفة وتدهس النساء والأطفال والعجزة، بل وحتى الرضع في عرباتهم. تسير في الممنوع ولا تعترف بشيء اسمه أضواء الإشارة. تقفز وسط الحدائق العمومية ووسط الأزقة الضيقة لكي توصل “الطاكوس” ساخنا، أو توصل المخدرات لمدمنين متعجلين، أو يركبها لصوص يترصدون ضحاياهم بعدوانية ملفتة، أو حتى تمارس ألعابا بهلوانية خطيرة على الطرقات العامة، حتى صرنا نشفق على رجال أمن وهم يحاولون مطاردة هذه الدراجات الشيطانية. هذه الدراجات النارية تخصصت في شيء أغرب، وهو اختلاق حوادث سير مفتعلة من أجل الحصول على أي مكسب ثم البحث فورا عن ضحايا آخرين. وعادة ما يترصد أصحاب هذه الدراجات سيارات تركبها نساء أو عائلات أو متقدمون في السن، ويحتكون بها عمدا ويتظاهرون بالسقوط ثم يطلبون تعويضا جزافيا، حسب الظروف، وهناك من يحصل على آلاف الدراهم يوميا من وراء هذا الاحتيال. هذه الدراجات النارية قربت أيضا المخدرات من المواطنين، وأصبح المدمنون لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن جرعاتهم في مناطق بعيدة، بل تصلهم حتى منازلهم من طرف سائقين، هم في الغالب مراهقون وشباب تحت تأثير المخدرات، لا يعترفون بشرطي ولا بضوء أحمر ولا برصيف ولا بحديقة ولا باتجاه ممنوع ولا بأي شيء. حتى المتنزهات والغابات والحدائق التي كانت في منأى عن الضجيج والتلوث صارت مرتعا لهذه الدراجات النارية المتوحشة، والحمد لله على أن المواطن يدخل منزله فلا تطارده دراجة نارية إلى غرفة نومه، إلى حدود الآن على الأقل..! ما تفعله الدراجات النارية في الشوارع المغربية يقول العكس تماما. لقد أصبحت هذه الدراجات المتوحشة جريمة كاملة في حق الوطن والمواطنين، وأقل ما يمكن أن تفعله إدارة الجمارك هو الوقف الفوري لاستيراد هذه الفوضى من الخارج “مقابل حفنة من الدولارات”. عموما.. هنيئا لمؤتمر مراكش حول السلامة الطرقية بنجاحه الباهر.. جدا جدا!