مادلين أولبرايت.. سيرة حياة مُفجعة لـ”غول إمبريالي” لا يرحم

المساء اليوم – هيأة التحرير:

لم تكن مادلين أولبرايت مجرد امرأة تتسلم منصبًا قياديًا، كأول امرأة تشغل منصب وزير الخارجية الأميركية، بل كانت أكثر بكثير من مجرد رائدة، البعض وصفها بـ”الغول الإمبريالي” الذي لا يرحم، في سعيها للهيمنة العالمية الأميركية مثل أي رجل، و”قاتلة أطفال العراق”، والسياسية التي لعبت دورًا رئيسًا في صياغة سياسة ما بعد الحرب الباردة والتي نشرت الدمار في قارات متعددة”.

أولبرليت دشنت نهجاً جديداً في الدبلوماسية، وهو “اقرأ دبابيس الصدر الخاصة بي.. لتعرف فيمَ أفكر”، فهي من ارتدت لياسر عرفات “نحلة” ولحافظ الأسد “أسداً” ولسعود الفيصل “حصاناً” ولصدام حسين “ثعباناً”، حتى قبل أن تتكلم يمكنك أن تعرف مزاجها وأجندة عملها عندما تنظر إلى دبوس الصدر الذي تضعه على الجاكيت الذي ترتديه.

فأولبرايت التي تولت خلال سنوات عملها، سواء سفيرةً لأميركا في الأمم المتحدة (من 1993 حتى 1997) أو وزيرةً للخارجية الأميركية (من 1997 حتى 2001) ملفات شديدة الصعوبة من العراق إلى ملف السلام إلى العلاقات مع روسيا وأيرلندا الشمالية وكوريا الشمالية، هي أكثر وزيرة خارجية استخدمت “صندوق جواهرها” لإرسال رسائل سياسية.

وتوضح أولبرايت في كتابها، “بطبيعة الحال أعشق الحلي وأحرص على ارتدائها دوما، لكن لم يدر بخلدي قط أنني سأستغلها كأداة لنقل رسائل ضمنية حتى عُينت سفيرة لدى الأمم المتحدة وكنت السيدة الوحيدة داخل مجلس الأمن. بعد حرب الخليج الأولى، عندما عكفت الأمم المتحدة على دراسة عدد من القرارات المتعلقة بالعراق، كانت مهمتي التعقيب على سياسات صدام حسين، وكانت تعقيبات شديدة لكنه كان يستحقها”.

وأضافت “رداً على ذلك، نشرت إحدى الصحف العراقية قصيدة نعتتني بـأفعى لا نظير لها. وبالفعل، كان لدي دبوس زينة على شكل ثعبان في صندوق الحلي. وعليه، قررت ارتداء هذا الدبوس في أي جلسة للأمم المتحدة تتناول العراق. ولاحظت الصحف الأمر، وجدت الأمر مسلياً، وقررت إتباع هذا النهج في باقي عناصر أجندتي الدبلوماسية. فشعاري: اقرأ دبابيس الزينة الخاصة بي”.

سيرة حياة أولبرايت مفجعة، فقد فرت عائلتها من الاضطهاد النازي عندما كانت طفلة، وقُتل 26 شخصًا من أقاربها، من بينهم ثلاثة أجداد، في المحرقة النازية، قصة صادمة في آلامها، لكن الغريب هي أن صاحبتها أشرفت بنفسها على الكثير من الصدمات والموت للآخرين في المقابل، فأولبرايت الفارة من حجيم الاضطهاد هي نفسها الإمبريالية التي دافعت بحماس عن استخدام أكبر للعنف الدموي سعيًا إلى نظام عالمي تهيمن عليه واشنطن بعد الحرب الباردة، وقتلت أعدادًا كبيرة من الناس في ثنايا هذه العملية.

جوانب مظلمة وعنصرية بغيضة اتسمت بها مسيرة مادلين الدبلوماسية، فهي من قادت العقوبات الوحشية لما بعد حرب الخليج على العراق، حيث شغلت بين عامي 1993 و1997، منصب سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة، ففي مقابلة عام 1996 مع ليزلي شتال في برنامج (60 دقيقة) بدا أن مادلين أولبرايت تُشير إلى أن مقتل أطفال الآخرين ببساطة هو مجرد “تكلفة لقيام الإمبراطورية”.

فحين سألتها شتال، “لقد سمعنا أن نصف مليون طفل قد ماتوا. أعني أن هذا العدد يفوق عدد الأطفال الذين توفوا في هيروشيما. هل يستحق الأمر هذه التكلفة؟”. أجابت مادلين، “أعتقد أن هذا خيار صعب للغاية، ولكن التكلفة.. نعتقد أن الأمر يستحق هذه التكلفة”.

في مقال لليزا فيزرسوم  بمجلة (جاكوبين) الأميركية قالت الكاتبة، “إن عناوين الأخبار العديدة التي أشادت بمادلين كأول امرأة تشغل منصب وزيرة الخارجية تخاطر بتقليل إنجازاتها وحصرها في النوع الاجتماعي. وهذا ليس عدلًا: لقد كانت أكثر بكثير من مجرد رائدة، فـ”أولبرايت كانت إمبريالية قاتلة”.

طرد بطرس غالي من الأمم المتحدة

فحسب الكاتبة فإن أولبرايت وأثناء عملها سفيرة لواشنطن بالأمم المتحدة، طردت الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي من موقعه بعد حملة لا هوادة فيها، وهو حادث مؤسف يسلط بعض الضوء على رؤيتها للنظام العالمي في نهاية القرن. وفي وقت لاحق، أرجع بطرس غالي، الذي دعمه في توليه لمنصبه كل بلد آخر باستثناء الولايات المتحدة، إطاحته إلى نشره تقريرًا للأمم المتحدة يرى أن الهجوم الإسرائيلي على مخيم للاجئين في لبنان، والذي تسبب في مقتل 100 شخص، كان متعمدًا وليس خطأ، على عكس مزاعم الحكومة الإسرائيلية.

أولبرايت من بين أسباب الحرب الروسية الأوكرانية الحالية

كما عملت مادلين أولبرايت على تعزيز توسع الناتو في الدول السوفيتية السابقة في أوروبا الشرقية، وهو مسار متهور حذر العديد من الدبلوماسيين رفيعي المستوى على مر السنين بأنه حتمًا سوف يثير عداء روسيا. وقد ساهمت هذه السياسة بشكل كبير في الصراع النووي المحتمل المرعب الذي نواجهه الآن، بالإضافة إلى مذبحة المدنيين الأوكرانيين ( الذين بلغ عدد القتلى المؤكدين منهم 977 على الأقل، ويعتقد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن العدد الحقيقي أعلى بكثير).

وأكدت فيزرسوم في مقالها أن أولبرايت لم تتقاعد أبدًا، “وهو امتياز لا شك أن محبيها سيرون فيه رفضًا للتحيز ضد كبار السن”، فخلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية لعام 2016، قالت عن النساء اللائي لا يدعمن ترشيح هيلاري كلينتون، “هناك مكان خاص في الجحيم للنساء اللائي لا يساعدن بعضهن البعض، لتعتذر فيما بعد عن التعليق في مقال للرأي في صحيفة “نيويورك تايمز”.

وختمتت الكاتبة مقالها بالقول “من المؤكد أن هناك بالفعل مكانًا محجوزًا باسمها في تلك البقعة الساخنة في الآخرة. وربما هناك ستحصل أخيرًا على الاعتراف الذي تستحقه، كشخصية بارزة بين دعاة الحروب الإمبرياليين القتلة من أي جنس كانوا”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )