المساء اليوم - هيأة التحرير: مغاربة قليلون يتذكرون أن المنتخب المغربي هو الفائز بالنسخة الماضية من منافسات (كأس العرب) وأنه كان يحاول الدفاع عن لقبه في الدورة الحالية، فهذا لم يكن يهمهم كثيرا. ومغاربة كثيرون لا يهتمون بهذه التظاهرة الرياضية المسماة (كأس العرب)، ولا بمباريات المنتخب الرديف، قبل أن تشكل الدورة الحالية في قطر حالة استثنائية، بسبب الهالة الإعلامية التي اكتستها، وأيضا لأن قطر مقبلة على احتضان المونديال العام المقبل، وأية تظاهرة تحتضنها حاليا تحظى بكثير من الأضواء. أما السبب الآخر لكل هذا الاهتمام بـ(مونديال العرب)، هو أن المنتخب المغربي استأسد في مبارياته الأولى، وحقق انتصارين عريضين برباعية على الأردن وفلسطين، وانتصارا ثالثا أمام السعودية، بهدف لصفر. المباريات الثلاثة الأولى كانت كافية لكي تستقطب اهتمام اللامبالين بهذه التظاهرة، رغم أن الانتصار على الأردن وفلسطين والسعودية لم يكن أبدا مقياسا للقوة الكروية، لكن الكثيرين ابتلعوا الطعم واعتقدوا أن المنتخب المغربي يهرول لالتقاط اللقب. ومما زاد في الاهتمام الشعبي الكبير بهذه التظاهرة، هي المباراة الملتهبة التي جمعت المنتخبين المغربي والجزائري في ربع النهاية، فكانت نهاية كبيرة في تظاهرة عادية، خصوصا عندما اختلطت السياسة بالرياضة، وصار الانتصار في المباراة يعني الانتصار في أشياء كثيرة.. والعكس صحيح. ساعة المباراة كانت الشوارع المغربية مقُفرة، وكذلك الأمر في الجزائر، لكن الجيران أعطوا المباراة أكثر مما تستحق بكثير، إلى درجة أن إشاعات كوميدية سبقت المباراة، من بينها أنه تم تعيين حكم إسرائيلي للمباراة، وهي إشاعة لم يطلقها المغاربة طبعا.. والأسباب واضحة. المباراة أمام الجزائر كانت الاختبار الحقيقي للمنتخب المغربي، على المستوى التقني طبعا، وتبين خلالها أن المدرب حسين عموتة لا يزال ينقصه الكثير من العمل، وأن اللاعبين لا يحتاجون فقط إلى مهارات تقنية، بل في حاجة ماسة إلى انضباط تقني وتركيز احترافي. قد يكون الحظ لعب دوره في منح المنتخب الجزائري انتصارا حولوه بسرعة إلى مادة سياسية بامتياز، كما يفعلون كثيرا هذه الأيام، لكن المنتخب المغربي لم يلعب بروح الانتصار، ومما ساهم في ارتباكه هو الهالة الإعلامية التي تلت انتصاراته الثلاثة في بداية المنافسات، فتحولت الانتصارات إلى لعنة. هي مباراة رياضية مثل الكثير من غيرها، لكنها تحملت أكثر من طاقتها. الناس العاديون جعلوا منها وجها آخر للمواجهة الدبلوماسية الشرسة بين المغرب والجزائر. والجزائريون، على الخصوص، جعلوا من المباراة الساحة الوحيدة التي يمكنهم أن ينتصروا فيها، في وقت تعبوا فيه من الهزائم الدبلوماسية، وانفصاليو الداخل والخارج نفّسوا من خلال المباراة عن الكثير من المكبوتات السياسية، إلى درجة ترويج فيديوهات شغب قديمة في العيون تزعم أنها لما بعد المباراة. سننسى قريبا هذه المباراة، لكننا لن ننسى أن جارتنا الشرقية في حاجة ماسة لعلاج نفسي حقيقي. فمن الممكن أن يتحمل المرء عدوا عاقلا.. لكن من شبه المستحيل تحمل جار أحمق...