متى تسلم فرنسا الهاربة سيدة العقربي؟

سحر الخزاعي

لا تكاد دولة في العالم تخلو من ظاهرة الفساد المالي والإداري، والتي لها آثارها المضرة على مستوى التطور الاقتصادي للبلاد.

فالفساد المالي أخطر فساد لأنه سرقة حقوق الناس، وقدرت الأمم المتحدة حجم الفساد المالي بأنه يتجاوز1000 مليار أورو على مستوى دول العالم، ولكم أن تتخيلوا كم مدرسة وجامعة ومستشفى ومباني ومرتبات كريمة ضاعت على البشر من هدر هذه الأموال سنويا من قوت العباد، وكل هذا ينتقص من التنمية المستدامة وميزانيات الدول المخصصة لشعوبها، وينعكس بالسلب على حجم مرتبات الموظفين وتزداد البطالة لدى الخريجين من الشباب، بل يؤثر هذا الفساد حتى على التطور في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات والتي لها أيضا نصيبها من الفساد المالي والإداري الناجمة عن هذه التطورات كالقرصنة واختراق الحسابات المصرفية الالكترونية وغيرها كثير .

وما يؤكد خطورة الظاهرة وآثارها المدمرة لاقتصاديات الدول نتيجة هو ما يصاحبها من مظاهر الاختلال الاقتصادي والاجتماعي وهدر للموارد المالية للدولة وغياب للشفافية وتعطل للآليات الاقتصادية المعتمدة على الكفاءة والتنافسية، وهو ما يتطلب من الدول وضعا لسياسات وتوفير البيئة الملائمة للحد منها خاصة ما يتعلق بالشفافية والمسائلة والعدالة والحرية الاقتصادية.

أنواع الفساد الرئيسة عديدة، منها السياسية والأخلاقية والمالية والإدارية، وقد يضيف آخرون أنواعا أخرى من الفساد، كالفساد الديني والعلمي والإعلامي والمعلوماتي والإحصائي. وعموما يجري التركيز على المستوى العالمي بدرجة كبيرة على الفساد المالي، وإن كانت أنواع الفساد الأخرى لا تقل سوءا عنه. ويبدو أن هناك توافقا بشكل كبير على محاربة هذا النوع بغض النظر عن النظم السياسية أو الشعوب أو المعتقدات التي تسود البلدان.

ويمكن تعريف الفساد المالي بأنه جميع الانحرافات المالية المخالفة للقوانين العامة أو لأحكام اللوائح والتشريعات والإجراءات المنظمة لأعمال الدولة والمؤسسات الخاصة والأفراد والمطبقة في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بشكل عام وغير المتسقة مع ضوابط وتعليمات الرقابة المالية.

لكن الفساد في دول العالم شيء ودولنا العربية شيء آخر. ففي العالم الأول يعتبر جريمة، لكن تمتلك دوله اقتصاديات قوية فتكون نسبة الفساد المالي قليلة التأثير على شعوبها. لكن في دول العالم الثالث يعد كارثة، ولنأخذ دولة مثل تونس التي شهدت شرارة  ثورات الربيع العربي حيث سعى الشعب، بإيعاز من واشنطن، إلى الانتقال الديمقراطي في البلاد بإسقاط الطاغية الفاسد زين العابدين بن علي، الذي نهب وأسرته البلاد وحكم شعبه بالحديد والنار في مرحلة حديثة وفارقة من تاريخ العرب المعاصر.

بعدها انتقلت السلطة في تونس من نظام ديكتاتوري، الذي سقط بثورة شعبية، إلى دولة ديمقراطية يضمنها الدستور ويعلوها القانون، وتلا ذلك انتخاب رئيس جمهورية جديد وبلا تزوير، وهو أستاذ القانون قيس سعيّد، وإنشاء وتنصيب الهيئات الدستورية الجديدة إلى جانب المحكمة الدستورية، وهو الذي بدأ حربا شرسة ضد الفساد لاسترداد ما سرق من حقوق شعبه.

ثروة الرئيس المخلوع ومصادرة أملاكه

في تقرير إحصائي قدمه البنك الدولي التابع للأمم المتحدة حول الثروات التي نهبتها عقيلة الرئيس الأسبق، ليلى الطرابلسي وأصهاره، فقد بلغت  43 ملياردولارأمريكي، حيث كان 21% من القطاع الخاص في تونس في يد العائلة الرئاسية، وأكثر من 240 شركة يتصرف فيها مختلف أفراد هذه العائلة.

لقد صادرت حكومات ما بعد الثورة أكثر من 550 ملكية عقارية و48 سفينة ويختا و367 حسابا مصرفيا وحوالي 400 شركة، كانت جميعها تتبع لعائلة بنعلي الموسعة المقدرة بـ114 شخصا، حسب هيئة تقصي الحقائق والمضبوطة في مرسوم عدد 13 لسنة 2011 المؤرخ في 14 مارس 2011.

كما شاهد العالم عشرات الملايين من اليوروات مخبأة في دواليب إحدى قصوره، وتكفلت لجنة تقصي الحقائق مصادرة 527 شركة تابعة للعائلة لرفع ملفاتها للقضاء وبيعها، وبيعت منها 5 شركات أدخلت 700 مليون دينار تونسي لصندوق الدولة التونسية، أي ما يوازي 420 مليون دولار أمريكي في 2013.

وفي قطاع العقارات تلقت اللجنة 518 قرارا بمصادرة أملاك عقارية تتبع لعائلة بنعلي وبلغ مجموع الديون المصرح بها المتخلدة في ذمة عائلة بنعلي 1339 مليون دينار تونسي أو مليار 339 مليون دينار. وهناك قائمة كبيرة من رجال الأعمال التونسيين الذين كانوا حيتانا في زمن المخلوع، واليوم تم التحفظ على أملاكهم، لكن بعضهم هرب إلى الخارج وتلاحقه المحاكم التونسية.

لكن المفارقة أنه يوجد في فرنسا نائبة برلمانية فاسدة هاربة من العدالة تدعى سيدة عقربي، تختفي ثم تظهر في وسائل الإعلام وفي الجمعيات الحقوقية الفرنسية، مدعية أنها مضطهدة سياسيا، لكنها رمز من رموز الفساد في تونس، وهربت من البلاد بطريقة سينمائية حيث ادعت أنها مشلولة ولبست البرقع  والنقاب رغم أنها كارهة للحجاب ودخلت المطار على مقعد المعوقين ولكونها مسنة تتجاوز الثمانين تمكنت من خداع رجال الأمن البسطاء وفرّت إبان الثورة التونسية في 2011، إلى خارج أرض الوطن إلى فرنسا، وهناك طلبت اللجوء السياسي وتحصلت عليه عام 2016 متحصنة بحقوق الإنسان وتدعي أن الإخوان المسلمين يضطهدوها وخدعت بها فرنسا، لكن حينما سقطت دولة الإسلام السياسي التونسي وجاء الرئيس الباجي قائد السبسي ثم قيس سعيد، مازال القضاء يتبعها لأنها كانت ظل قرينة الرئيس المخلوع، وكانت تتقاسم معها الغنائم، فقد نشطت في جمعية (أمهات تونس) التي أنشأتها مع قرينة الرئيس وكانت تجمع التبرعات من رجال الأعمال بحجة بناء بيت للطالبات وجمعت ما يتجاوز 2 مليار دينار تونسي، بينما لم يتكلف مبنى الطالبات الصغير حتى مليون دينار واحد، بل قيل إنه كان هبة من بلدية مجاملة لعيون ليلى الطرابلسي التي كانت تخيف بها المسؤولين والمواطنين بسلطتها..

كما كانت العقربي عضوة في جمعية المرأة العربية العاملة في جامعة الدول العربية تحت رئاسة ليلى الطرابلسي وتمكنت من الحصول على دعم كبير للجمعية من أمراء الخليج. ويبدو، كما قيل لي من سيدات الأعمال التونسيات، أنها تقاسمت الأموال وكانت تعطي للنساء المعوزات بعض الفتات بينما تحتفظ هي بالملايين، رغم أني لا أتهمها بسرقة أموال الجمعيات ولا أستمع إلى القيل والقال والشائعات، لكني أؤمن بالقضاء التونسي العريق التي  تعجز يد الفساد من الوصول إليه لشراء نزاهته، فقد أصدر حكمه بالدائرة الجنائية الأولى بالمحكمة الابتدائية بتونس المختصة في النظر في قضايا الفساد على المدعوة سيدة عقربي حكما بـ 20 سنة سجنا مع النفاذ العاجل، حُكما غيابيا يتعلق بتجاوزات مالية متصلة بجمعية أمهات تونس والاستيلاء على أموال عمومية وضعت تحت يدها خلال فترة ترؤسها تلك الجمعية.

كما ظهر من التحقيقات بأنها كانت تتصرف بأموال الجمعية على أمورها الشخصية والعائلية، وإن حققت بعض الأمور الإنسانية للمرأة التونسية الفقيرة فلا يقارن بما كان لديها من إمكانيات وأموال..

ولهذا أطالب القضاء التونسي والعربي بالتحقيق كذلك في الذمة المالية لجمعية المرأة العربية العاملة وكل جمعية شاركت فيها هذه النائبة الفاسدة التي دائما في تصريحاتها تتفاخر بانتمائها لنظام بنعلي، وتعتبر نفسها مناضلة حقوقية، فلو كانت كذلك ولم تسرق فلماذا لا تسلم نفسها إلى العدالة التونسية طالما رحلت دولة الإخوان، وبإمكانها أن تثبت براءتها إن كانت حقا بريئة، لكنها مازالت ملاحقة من السلطات التونسية بمذكرة جلب في الإنتربول، لكن لظروف لجوئها رفضت كل من فرنسا وتركيا تسليمها رغم طلب السلطات التونسية الأمنية والقضائية بتسليمها.

ومؤخرا أصدرت عقربي كتابا بالفرنسية في باريس تحكي فيها قصة حياتها وتصور لنفسها مجدا من وهم ومليء بالأكاذيب، حتى أسمت نفسها أسطورة حية ومناضلة تونسية فقدت ابنها الوحيد في عملية جراحية بمستشفى بالمغرب، وهي حكاية مؤثرة على الصعيد الإنساني، لكن إن أرادت أن تثبت أنها مناضلة وشريفة فعليها أن تعود للبلاد لتحاكم محاكمة عادلة وتبرئ نفسها، وإن لم تفعل فسوف تسلمها فرنسا، إن اكشفت فسادها، إلا في حالة واحدة، إذا ثبت أن الحكم الذي سيصدر في حقها هو الإعدام ففي هذه الحالة فقط لن تسلم فرنسا سيدة عقربي.

وفي الوقت الذي يحارب فيه العالم جائحة كوفيد-19 القاتلة – التي تمثل أصعب أزمة نواجهها منذ الحرب العالمية الثانية، نشهد أيضا أوبئة عدية، منها وباء المعلومات المضللة الخطير منها الفاسد يصنع لنفسه مجدا على انه مناضل والفاسق يلبس جلباب التقي لكن الناس في العالم كله خائفون ويريدون معرفة الحقيقة غير أن وباء المعلومات المضللة آخذ في التفشي في جميع أنحاء العالم والأكاذيب تكتظ بها موجات الأثير وتنتشر في شبكة الإنترنت عدوى نظريات المؤامرة المحمومة وفيروس الكراهية يستشري، فيصيب الناس والجماعات بشرور الوصم والتشنيع على العالم أن يتحد لمواجهة هذا المرض،أيضا، والثقة هي المصل الواقي.

لهذا نرفض الأكاذيب والترهات المنتشرة هنا وهناك ونضع ثقتنا في القضاء الذي يثبت أو يزيح التهمة عن الفاسدين.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )