عبد الله الدامون damounus@yahoo.com إذا ما ثبتت الصورة التي يتم تداولها حاليا على مواقع التواصل فإن عددا من أساتذة كلية الحقوق بأكادير سبق أن نظموا وقفة احتجاجية سنة 2018 وطالبوا بالتحقيق في شبهات الفساد في مجال منح شهادات الماستر والدكتوراه.. وهم يقصدون طبعا المدعو قليش ومن معه، وفي حال ثبت ذلك فإن المغرب يستحق فعلا أكبر الجوائز العالمية في مجال محاربة الفساد، لأنه أعظم بلد يقضي على الفساد "بالسماوي". كما أنه في سنة 2023، تقدمت جمعية مناهضة للفساد بشكاية ضد الأستاذ الجامعي قليش بتهمة بيع الشهادات لمن يدفع أكثر. وبعد عامين، وبعد سقوط البقرة، يتم الانتباه لشكوى الجمعية والاستماع إليها من طرف النيابة العامة. المغرب فعلا بلد عظيم، لأنه بعد عامين من وضع شكاية، يتم الاستماع للمشتكي بعد أن يسقط المتهم.. بالصدفة فقط. ومنذ أن بدأ الأستاذ الجامعي قليش يبيع الشهادات فإن الجميع كان يعرف، الإدارة والطلبة والأساتذة وأطراف كثيرة أخرى، لكن أفضل طريقة لمحاربة الفساد في المغرب هو محاربته بفساد أكبر، أي الصمت أو التواطؤ، أو هما معا. لكن المصيبة أن ما جرى في كلية أكادير يجري في كل الكليات والجامعات المغربية، تقريبا. إنهم يبيعون كل شيء، النقاط والإجازة والماستر والدكتوراه.. لذلك صار الكثير من الأساتذة الجامعيين ينافسون تجار المخدرات ولصوص المال العام في الجاه والثروة. ربما لا نجد عند الكثير من مهربي المخدرات رصيدا بنكيا بقيمة 8 ملايير سنتيم في حساب واحد. المدعو قليش ليس سوى الجزء الظاهر من المزبلة المدفونة عميقا تحت الأرض. إنه قطعة يسيرة من كل هذه القمامة التي تتكدس في الجامعات المغربية منذ سنوات طويلة، قمامة نراها جميعا ولا أحد يريد محاربتها. وسواء تعلق الأمر بقليش أم غيره، فإن المافيا في الجامعات المغربية كبرت أكثر من اللازم، إلى درجة أنه يمكن التقاء عاهرات كثيرات بشهادات عليا وأميين كثيرين يحملون لقب دكتور. وأسوأ من هذا فقد تحولت الجامعات المغربية إلى قبلة لكثير من الأميين والتافهين القادمين من بلدان المشرق، والذين يشترون شهادات بالجملة، ويدفعون مقابلها مالا وسيارات وشقق. ورغم كل هذا لا أحد طالب بوقف هذه الكارثة التي حولت الجامعة المغربية إلى "سوق البال" في مجال الشهادات من كل الأنواع. الأمر لا يتعلق بالمال فقط، بل بما هو أسوأ بكثير، حين تحول الجنس إلى معادلة أساسية في الجامعة المغربية، وصارت الطالبات مجبرات على الاختيار المسبق لوضعيتهن في الفراش، قبل الحصول على نقطة أو شهادة. نتذكر ما حدث في سطات مثلا مع طالبات تحولن إلى عاهرات جامعيات، سواء طواعية أو مرغمات، ومع ذلك دفنا رؤوسنا في المزبلة ورفعنا شعار "محاربة الفساد بفساد أكبر"، والصمت أكبر فساد. اليوم، هناك الكثير من الشكايات، في كل المجالات، توجد في ردهات الكثير من المصالح، في المحاكم ومخافر الشرطة والوزارات وغيرها، ولا أحد يلتفت إليها، لأن الجميع يطبق نظرية "اهبش تجْبد حْنش"، لأن التجربة علمتنا أن القبض على أول فاسد لا يكون سوى مقدمة للكشف عن كثيرين أكبر وأخطر منه، لذلك من الأفضل دفن الملف في لحظاته الأولى، وترك الأمور تسير كما شاء لها رب العالمين، وعندما يريد القدر، سيسقط كل شيء دفعة واحدة. نتذكر وزير التعليم العالي الذي صرح قبل أيام أن الجامعات المغربية تعيش كارثة في مجال البحث العلمي، وعبارة البحث العلمي تعني جميع أنواع البحوث الأكاديمية المفيدة. لقد مر تصريح الوزير من دون أن يثير أي ضجة في بلد يلهث شعبه ومسؤولوه عن الثروة وليس عن العلم، وفي بلد تخصص أغلب أساتذته الجامعيين في البحث عن "الهْموز" والسمسرة في العقارات والأراضي والسيارات والشهادات، وليس في البحث العلمي، بينما بقي الشرفاء منهم مثل نعاج معزولة تنتظر الذبح. من المؤسف حقا أن نجد أستاذا جامعيا يشتغل ساعة او ساعتين في الأسبوع، ولمدة خمسة أو ستة أشهر فقط في السنة، ثم يعلق على واجهة سيارته ملصق "أستاذ باحث"، مع خطين بالأحمر والأخضر، طلبا للاحترام، ويقضي حياته سمسارا من النوع الرفيع. بلد كهذا يحفر قبره بيده، بلد يتواطؤ فيه الجميع على الفساد والإفساد، وحين تنكشف حالات فساد خطيرة هنا وهناك، يصبح الرهان هو جعلها تمر بسرعة لنسيانها، وترك القطار يسير نحو تلك المحطة التي نعرفها جميعا في حال استمر الوضع على ما هو عليه.