المساء اليوم / ح- اعديّل: عندما أطلقت وزير الإسكان السابقة في إسبانيا، ماريا أنطونيو تروخيو، تصريحات حول الوضعية التاريخية الحقيقية لمدينتي سبتة ومليلية، فإن ذلك لم يترك فقط رجة في حكومة بيدرو سانشيز، بل أيضا وسط اليمين الإسباني المتطرف، وما يشبه اليمين المتطرف، وحتى في جزء من اليسار الإسباني، الذي يصبح يمينيا جدا عندما يتعلق الأمر بالمغرب. الوزير الإسبانية السابقة، التي اختارت لنفسها زوجا مغربيا، ثم اختارت الإقامة شبه الدائمة بين تطوان والعرائش، اختارت أيضا أن تكون منصفة، وأن تخرج من صف القطيع الطويل في إسبانيا، الذي يمارس الرفس والركل في حق التاريخ، ويحول كل البديهيات التاريخية إلى مجرد افتراضات، ثم يحول الافتراضات إلى بديهيات، وكل ذلك حسب المصالح السياسية للجارة الشمالية. الوزير السابقة ماريا تروخيو، لم تقل أكثر مما هو كائن في ندوة عُقدت مؤخرا بتطوان، واعتبرت سبتة ومليلية جزءا أساسيا من التاريخ المغربي والإسلامي، وطالبت إسبانيا بالنظر إلى القضية بعين منصفة وعقلانية. ويبدو أن بيانات الإدانة الرسمية لم تكن كافية، لأنه سرعان ما عادت إسبانيا إلى تاريخها القريب عبر إنشاء محكمة تفتيش للوزيرة ومطاردتها خارج إسبانيا، ووصف صحف يمينية لها بأنها "بوق المغرب". والمثير أن صحيفة إسبانية كبيرة بحجم "إيل موندو"، لم تكتف بإدانة الوزيرة، بل أرسلت صحافيا من مدريد إلى مدينة العرائش في مطاردة مقدسة، هي البحث عن ماريا تروخيو، وتصرف الصحافي مثل راهب في كنيسة متطرفة زمن المحارق في الأندلس، ونبش كل شيء في حياة المرأة، بدءا بزوجها المغربي ومرورا بإقامتها في المغرب وانتهاء بالأماكن التي ترتادها أو تأكل فيها، ولا أحد اقام اعتبارات لامرأة فجعت بوفاة زوجها وتعاند للصمود عهلى المستوى الشخصي والسياسي. ويبدو أن إسبانيا، الديمقراطية جدا، تعود فجأة إلى تاريخها المظلم في المطاردات وحرق المخالفين لها، كلما تعلق الأمر بالمغرب، إلى درجة مطاردة وزيرة إسبانية سابقة لمجرد أنها عبرت عن رأي مختلف لوجهة النظر الرسمية لإسبانيا، فتعرضت لتنمّر صحافي وسياسي غير مسبوق. أحيانا نتفاءل بالعلاقات التي تنفرج مع مدريد، وأحيانا نحزن لتدهور هذه العلاقات، لكن في الحالتين، لا يجب أن ننسى أن ما يحرك إسبانيا عموما، وفي ظل كل الحكومات، يمينية كانت أو يسارية، هو العداء المستحكم لكل ما هو مغربي.