مسلسل “دار النسا”: حين تتحول اللهجة “الشمالية” إلى وسيلة لكسب لقمة العيش..!

المساء اليوم – أحمد فلاح:

استطاع المسلسل التلفزيوني “دار النسا”، الذي تعرضه القناة الأولى في رمضان الحالي، أن يتربع على عرش الانتقادات ويحصد سخطا شعبيا كبيرا، خصوصا وأن الدراما الرمضانية المغربية تحولت إلى كابوس حقيقي للمشاهدين الذين لا يفهمون لماذا تستمر التلفزة في الغرق في الرداءة سنة بعد أخرى.

“دار النسا” هو أكثر من عنوان لمسلسل، بل هو عمل أنتجته شركة تابعة لإمبراطور التلفزيون المغربي، نبيل عيوش، وكان لزوجته “الطنجاوية” دور كبير في الدفع به وبطاقمه الدرامي، لذلك جاء المسلسل مشبعا، حد التخمة، بلهجة “شمالية” متصنعة، وأيضا بلقطات بانورامية سياحية تشبه البطاقات السياحية “الكارط بوسطال”.

كما أن مسلسل “دار النسا” كتبته ممثلة قديمة في الحرفة تسمى سامية أقريو، بل ذهبت بعيدا هذه المرة وقررت دخول غمار الإخراج، أي أنها تحولت إلى “المرأة الخارقة” التي تكتب السيناريو وتخرج المسلسل وتمثل وترد على الانتقادات وتكتب التدوينات وتعطي التصريحات، لذلك جاء المسلسل مترعا بالأخطاء في كل شيء.

ومنذ الحلقة الأولى بدا أن المسلسل تنطبق عليه الحكمة المغربية القائلة “من الخيمة خرج مايل”، وظهر الارتباك في بناء السيناريو وهشاشة شخصيات تائهة وفشل كبير في تدبير الزمن الدرامي وخلل واضح في الترتيب المنطقي للأحداث.

كما أن منتجي هذا المسلسل راهنوا على شيء غريب من أجل إنجاحه، وهو الاستعمال المكثف والمجاني للهجة الشمالية، وهي خليط بين لهجات عدة مدن وبلدات وقرى شمالية، بالإضافة إلى لهجة خاصة بسامية أقريو، لكن المشاهد البعيد عن المنطقة يعتبرها لهجة موحدة.

إن أسوأ ما في الأمر هو أن المسلسل راهن بقوة على “بيع الوهم” من خلال استخدام لهجة غير مألوفة في الدراما المغربية، ليس من أجل فرض وجود هذه اللهجة المهمشة تلفزيونيا، بل من أجل تحويلها إلى مجرد كاريكاتير، حيث يبذل الممثلون دورا خرافيا من أجل “تبزيع” اللهجة والضغط على مخارج الحروف بتصنع واضح، وكان المقابل هو ضياع الحبكة وتيه الشخصيات في مسلسل أكبر إنجازاته هو تبذير المزيد من المال العام.

ويجمع النقاد على أن سيناريو المسلسل تائه بكل معنى الكلمة، رغم اعتماده على بعض الأحداث الواقعية، فكانت النتيجة أن المشاهد، الذي شاءت له الأقدار أن يتابع هذا المسلسل، وجد نفسه كما لو أنه يحاول إنجاز معادلة عبثية في الرياضيات. يعني أن “لحساب مابغاش يخرج”..!

ويحكي مسلسل “دار النسا”، الذي شارك في بطولته سعد موفق وابتسام العروسي ونورا الصقلي والسعدية لاديب وفاطمة الزهراء قنبوع وعمر أصيل، قصة اجتماعية حول معاناة الطفلات اللواتي يتعرضن للاغتصاب، إلى جانب مواضيع أخرى كثيرة.

ويقول ناقد سينمائي مغربي إن “شخصيات المسلسل هزلية وتحاول فرض مواقف كوميدية بتعابير ارتجالية مستفزة عفا عنها الزمن، مريم الزعيمي كمثال، إضافة إلى المبالغة في الانفعالات والحركات بدون سبب، وأن أغلب شخصيات العمل مشردة وتائهة وبدون تغطية مقنعة وكأنها كتبت أو تم تسكينها خارج السيناريو”.

ويبدو أن النقاد والمتتبعين لن يحتاجوا للتركيز على بعض الهفوات التقنية المثيرة في المسلسل، مثل ظهور ميكروفون فوق “كادر” مشهد من المسلسل، لأن الهفوات “الدرامية” تكفي لوحدها لجعل هذا المسلسل يحصل على “أوسكار الرداءة”.

لكن هناك “نقطة ضوء” يفخر بها منتجو هذا المسلسل، وهي اللقطات البانورامية لمدينة طنجة، وهذا لوحده يكفي للتأكد من القصور الدرامي والحرفي للمشرفين على المسلسل، لأن اللقطات التي يفخرون بها يمكن لأي مصور هاو أن ينجزها بأبسط الوسائل والتكاليف ومن دون الحاجة لصرف الملايير من أجل مسلسل تائه وتافه.

ويبدو أن منتجي “دار النسا” عثروا لأنفسهم على تبرير للفشل الدرامي، وهو النجاح في الترويج لطنجة سياحيا، وكأن طنجة كانت مقفرة من السياح قبل بث المسلسل، أو كأن المسلسل يتم عرضه في روسيا وأمريكا وإسبانيا وإنجلترا والصين واليابان، وهي البلدان التي تزود المغرب بأكبر عدد من السياح.

لكن المسلسل نجح في شيء واحد، وهو تكريس صورة طنجة كقلعة للمهربين والبزناسة والمخدرات، وهذه هدية رمضانية لن ينساها سكان طنجة لمنتجي الفيلم ولمخرجته الشفشاونية وبطلته الزيلاشية نورا الصقلي.

ويبقى من اللازم الإشارة إلى نقطة مهمة جدا وهي أن إدارة التلفزة المغربية كانت على وشك التخلي عن عرض مسلسل “دار النسا” في رمضان بسبب عدم اقتناعها به، غير أن تدخلات من هنا وهناك دفعت الإدارة للتراجع عن ذلك.

وحتى قبل بضعة أسابيع من رمضان كان مرتقبا عرض مسلسل آخر أخرجه إدريس الروخ، غير أن مفاوضات ماراثونية جرت بين إدارة التلفزة وادريس الروخ ومنتجي “دار النسا”، أسفرت عن حل وسط، وهو التحاق الروخ للتمثيل تحت إمرة سامية أقريو، وهو ما قبله الروخ فيما يشبه شرب الدواء.

في النهاية، وحتى إذا كان مسلسل “دار النسا” لا يصلح لشيء، إلا أنه يصلح لكسب لقمة العيش، خصوصا عبر اللهجة الشفشاونية الخاصة بالمخرحة والممثلة وكاتبة السيناريو سامية أقريو، والتي رافقتها طوال مسيرتها المهنية وحققت بواسطتها مكتسبات كثيرة لا علاقة لها بالفن الدرامي الحقيقي.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )