مغاربة الوطن المنسي..

حسنية أسقال

في زمن كورونا.. وفي الوقت الذي يُعاني المغاربة والعالم من تداعياتها.. تزداد محنة مغاربة المناطق الجبلية والدواوير والقرى النائية..

هناك في المغرب العميق حيث ترتفع نسبة الفقر وتغيب أساسيات الحياة..

هناك تعرف المساعدات طريقها للبعض وتغيب عن الأغلبية.. دواوير معزولة بأسر هشة وساكنة تتلهف لأي التفاتة مهما كانت بسيطة سواء من الحكومة  أو الجمعيات المدنية..

يُرحبون بمجهودات الشباب والفاعلين الجمعويين الذين بفضل الفضاء الإلكتروني الرحب ينظمون القوافل الإنسانية لفك عزلة هذه الدواوير والعمل على تدفئة حياتهم..

إنهم مواطنون مغاربة مثلي ومثلك يعترفون بثوابت الأمة، يحترمون القوانين المنظمة للبلاد، إلا أنهم لم يجدوا من يعترف بهم..

مواطنون خارج حسابات الحكومة وصوتهم غير مسموع.. إن كان لهم صوت أصلاً..

مغاربة لأنهم فقط يعيشون تحت سماء هذا البلد يتنفسون الهواء الذي نتنفسه..

مغاربة الدواوير والقرى النائية الذين لا يعرفون من هذا الوطن إلاّ واقع معيشي مر يختزن قساوة الحكومات المتعاقبة التي لم تُبصر “مغاربة هذا الجزء من الوطن”.. نستهم وتناستهم..

وزرائها ممن سوقوا لأنفسهم خلال “الحملات الانتخابية” بأنهم أبناء الشعب.. وما زالوا يتحدثون باسم الشعب.. بعدما باعوا الأوهام والأحلام..

وحكومات متعاقبة من جميع الأطياف السياسية، ترفعت وتترفع عن الالتفات إلى هذه المناطق..

أو حتى الاقتراب منها أو الوقوف على حقيقة المعاناة التي يعيشها هؤلاء، الذين يرون أنفسهم هدفاً يقصده السياسيون خلال مواسم الانتخابات حصراً..

لا عجب قبل شهور من أي انتخابات، أن يقوم المرشحون والسياسيون اللاهثون للمناصب بزياراتهم “التسويقية” مُصاحبين بجوقة إعلامية لهذه المناطق..

ولا غرابة أن يقوم مرشح أو سياسي من هؤلاء بجولة في هذه المناطق التي ما كان ليعرف بوجودها إلا بواسطة نشرات الأخبار..

مفهوم الوطنية بالنسبة لسياسيينا هو خدمة مصالحهم، حينها تصبح الوطنية غطاءً لانتهازيتهم، ولا تخدم الأرض أو الشعب..

فيما الوطنية عقد اجتماعي يدعم العدالة الاجتماعية وتنمية الاقتصاد وتقليص الفوارق الاجتماعية.. فضلاً عن إعلاء قيم الشفافية والعدل والمساواة وسيادة القانون..

مغاربة الدواوير والقرى النائية هل هم مغاربة منسيون؟!

أحدهم أَسَرَّ لي مرة بأن المواطنين مراتب ودرجات.. وكذلك الفساد..

شظف العيش وقساوة التضاريس وغياب الدولة ولامبالاتها، ألفوا المعاناة شتاء وصيفاً واستأنسوا بها.. سمات التعب والإنهاك التي تعلو وجوههم تقول.. لنا مغربنا ولكم مغربكم..

أغلبهم لم يزر المستشفى طيلة حياته ولم يكشف عليه طبيب أبداً.. دوائهم أعشاب ووصفات تقليدية..

وأقصى ما تهفوا إليه أنفسهم هو توفير بعض الضروريات لتأمين متطلبات حياة يومية تقوم على الكفاف..

دواوير وقرى منسية.. كاد سكانها يفقدون علاقتهم بالعالم الخارجي بسبب وعورة التضاريس التي حالت دون اتصالهم بالمراكز الحضرية المجاورة..

إنه غيض من فيض.. واقع معيشي قاسي..

يشتد قسوةً حين يقترن بالتناسي والإقصاء والعزلة..

الفقر والعوز أنهك أجسادهم وقساوة الإكراهات الجغرافية وقلة الإمكانيات حرمتهم من مواطنتهم..

مشاكل لا تعد ولا تحصى وتبقى قمة المعاناة عدم وجود طرق معبدة تربطهم بالمراكز الحضرية وبالمستشفيات والمدارس البعيدة عنهم..

مواطنون مغاربة نعم .. مواطنون بحقوق لا..

لم يجدوا من يعترف بهم ويكفل لهم النذر القليل من حقهم الطبيعي في العيش الكريم، ويُوفر لأبنائهم حجرات دراسية حقيقية لطرد ظلامية الأمية، ووحدات صحية لمداواة أجساد مرضاهم العليلة..

يُقال إن النور الذى يضىء أحياناً في الأدمغة يوضح الحقائق مهما كانت مؤلمة ويُجلى الوقائع بغض النظر مهما كانت صادمة…

لكن حكوماتنا المُتعاقبة لا تُبصر..

وإن فعلت فهي لا تمعن النظر، وإن أمعنت فهي تطفئ النور..

يُقال إن الوطن هو المكان الذي لا يُفكر الإنسان بالهرب منه.. يا للسخرية إذاً.. هناك ملايين ممن يتمنون الهجرة ويخاطرون بحياتهم في سبيل ذلك..

وهناك آخرون مواطنون لا يعترف بهم الوطن فقدوا الخدمات كلها التي من المفترض أن يقدمها لهم هذا الوطن، من رفاهية، ومعيشة جيدة، وتقدّم علمي وقدرة على الحلم.. الحلم بالمستقبل..

ولم تبقَ لهم سوى العاطفة.. عاطفة إزاء بلد متناقض.. بلد غني لكنهم فقراء.. قوي لكن حكوماته ضعيفة..

المساعدات التي قدمتها وتقدمها الحكومة ضعيفة، بل هي في حالات كثيرة مخجلة ولا تعالج المشكلة من جذورها، أي أنّها لا توفر ما تحتاج إليه هاته الأسر المعدمة والفقيرة..

فحين تكشف الحكومة أن 1797 دوار بـ233 جماعة ترابية مُهدد بالعزلة خلال فصل الشتاء..!!!

فأظن السؤال المنطقي في هذه الحالة هو.. ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة منذ الإستقلال لهؤلاء المغاربة؟ لهذه الدواوير؟ لهذه القرى النائية؟

ألم يكن في استطاعتها تعبيد طرقهم؟ وبناء مستشفيات لهم؟.. وتأمين حق التمدرس لأطفالهم؟.. و.. و..

كيف يُعقل بعد 65 عاماً من الإستقلال أن أقصى ما نمنحه لهم.. مستشفيات ميدانية ومساعدات غذائية وبطانيات..

سؤال أرجو أن نجد له تفسيراً يوماً ما.. وأتمنى أن لا يكون جوابه أن المغاربة درجات..

asekkal@almassaa.com

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )