المساء اليوم - وكالات: باتت الطبيبة الشابة، ست النفور أحمد بكار، (25 عاما) المتخرجة في كلية التمريض بجامعة النيلين ملهمة للمئات من السودانيين، بعد أن ظلت واحدة من ركائز المقاومة السلمية ورمزا للعمل الميداني وباثة للحماس وسط المتظاهرين، ولا سيما إبان اعتصام القيادة العامة عام 2019، حيث عكفت على تقديم الخدمات الإسعافية والمساعدات العلاجية، وبعد إجراءات البرهان الأخيرة لم يخل موكب لمطالب الثوار من وجودها، فعرفت بين آلاف المتظاهرين بوجهها المميز وحماسها الدفاق. وبعد دقائق من إعادة خدمة الإنترنت إلى الهواتف النقالة عصر الأربعاء، سيطرت صورة الطبيبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونعاها المئات من الأصدقاء والمعارف، كما بث ناشطون فيديو صادم للحظة إصابتها بالرصاص حين كانت تقف مع مجموعة من المتظاهرين في ميدان فسيح بالخرطوم بحري، بينما كانت قوات عسكرية تطلق النار من مسافة بعيدة. وبحسب لجنة الأطباء المركزية (غير حكومية)، فإن 15 من المحتجين قتلوا بالرصاص خلال احتجاجات الأربعاء التي وصفت بأنها الأكثر دموية منذ 25 أكتوبر الماضي، كما جرح ما لا يقل عن 100 آخرين بنحو متفاوت، منهم من حالته خطيرة. كما تحدثت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، عن مصرع 39 شخصا على الأقل بيد قوات الأمن السودانية منذ أحداث 25 أكتوبر الماضي. وذكرت باشليت -في بيان- أن من بين هؤلاء، قتل 15 شخصا بالرصاص الأربعاء خلال الاحتجاجات التي اندلعت في الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان. لكن المدير العام لقوات الشرطة الفريق أول حقوقي خالد مهدي إبراهيم، نفى بشدة -خلال مؤتمر صحفي- استخدام الرصاص ضد المتظاهرين. وقال إبراهيم إن الشرطة لا تستعمل أسلحة نارية بل معدات قانونية معروفة عالميا، من غاز مسيل للدموع ومعدات فض الشغب، وأن التحري والتحقيق جارٍ لمعرفة من يطلق النار، قبل أن يشكك في الأرقام التي يتم تداولها حول عدد القتلى، قائلا إن المضابط الرسمية تحدثت عن قتيل واحد في حادثة لا تمت بصلة للاحتجاجات الأخيرة. غير أن الوقائع على الأرض والعديد من التقارير الطبية كشفت عن مقتل ما لا يقل عن 6 من المتظاهرين في الخرطوم بحري فقط، كما تداول نشطاء صورا لضحايا مجهولي الهوية وأطلقوا نداءات لمن يتعرف عليهم. ويؤكد الناشط في لجان المقاومة بالخرطوم بحري محمد عبد الله، أن السرادق المنصوبة في العديد من أحياء بحري تفضح خطل رواية الشرطة، قائلا "إن عزاء أحد الشباب يقام في حي الدناقلة على بعد خطوات من مركز رئيسي للشرطة، علاوة على آخرين سقطوا في أم درمان والخرطوم بما لا يجدي معه الإنكار". ويشير كذلك إلى أن "قوات بزي الشرطة كانت تلاحق المتظاهرين داخل الأحياء، وتمنعهم من إسعاف المصابين علاوة على تعاملها المفرط في العنف غير المبرر مع الشباب رغم سلميتهم وصدورهم العارية"، كما يقول. من يطلق الرصاص؟ وينقل الصحفي والمدون ناصف صلاح الدين عن مصدر عسكري تأكيده "مشاركة تشكيلات مختلفة من القوات النظامية في فض الاحتجاجات المناهضة لقرارات البرهان، تضم الشرطة والدعم السريع والجيش بجانب قوات تتبع لحركة تمازج المدعومة من قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو". ويشير صلاح الدين، إلى إن أفرادا من حركة تمازج كانوا على متن سيارات دفع رباعي بيضاء، وعمدوا إلى إطلاق رصاص بشكل عشوائي صبيحة قرارات البرهان، وفق ما أخبرته به مصادر عسكرية. كما ذكر أن قوات من الدعم السريع اعترضت موكب المحتجين في الصالحة بأم درمان خلال احتجاجات 13 نونبر الجاري، ويردف قائلا إن معظم القوات التي أطلقت النار خلال موكبي 13 و17 نونبر كانت ترتدي زي الشرطة، لكن من المستبعد أن يكونوا جميعا من الشرطة. ويستند صلاح الدين في حديثه إلى إفادة حصل عليها، قال إنها وردت في محضر التحقيق مع اللواء الصادق سيد مسؤول التدريب بقوات الدعم السريع، عند التحقيق معه في أحداث فض اعتصام القيادة العامة في 2019، حيث قال إن دوره انحصر قبل يوم من المذبحة في تسليم زي الشرطة لقوات الدعم السريع بمعسكر الصالحة. ويرى الفريق حقوقي إدريس سليمان إدريس رئيس هيئة الخدمات والتوجيه بقوات الشرطة -خلال مؤتمر صحفي- أن من حق الشرطة الاستعانة ببعض القوات النظامية، وأن الشرطة تطبق قانون الإجراءات الجنائية التي تتيح لها التصدي لأحداث الشغب. من جهتها، باشرت هيئة محامي دارفور التقصي والتحقيق في الانتهاكات المرتكبة منذ 25 أكتوبر الماضي، وقالت إنها ستعلن عن نتائج تحقيقاتها في غضون أسبوعين، ويشمل التقصي والتحقيق أي أحداث ذات صلة قد تقع خلال فترة التقصي والتحقيق.