من أهان من بموسكو؟.. زيارة وزيرة الخارجية البريطانية تُسلط الضوء على تاريخ الإهانات الدبلوماسية..!

المساء اليوم – متابعة:

عندما سافرت ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، إلى موسكو في 10 فبراير لإجراء محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، كان من المؤكد أنها تأمل أن يساعد تدخلها في تخفيف التوترات بشأن أوكرانيا، لكن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها.

وقالت صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية، في تقرير لها، إن لافروف وصف محادثاته مع تروس خلال مؤتمر صحفي بمحادثة “البكم مع الصم”، قبل أن يغادر ويترك تروس أمام عدسات الكاميرات وحدها. ويوضح التقرير أن لافروف يُعرف بوقاحته، ففي سنة 2015 التقطه الميكروفون وهو يصف مسؤولين أجانب بـ”الحمقى”، وهو ليس أول من استخدم الإهانات كأداة دبلوماسية، وذلك لأن تاريخ تبادل قادة العالم الإهانات اللفظية طويل.

ومن الممكن فهم ردة فعل لافروف، الذي لم يستسغ تلك العبارات القوية التي تفوهت بها تروس أمامه وهي توجه إلى روسيا ما يشبه التهديدات الصريحة في حال غزا الروس أوكرانيا، لذلك لم يتأخر في الرد على “البريطانية الوقحة”، حسب وصف صحف روسية.

ولم تكن عبارات تروس هي الوحيدة التي أثارت غضب لافروف، ومعه الروس عموما، فالوزيرة البريطانية التقت نظيرها الروسي وهي ترتدي ملابس كما لو أنها في نزهة صيد في الغابة، بسروال ضيق وحذاء شبه عسكري، وربما قصدت من طريقة لباسها إهانة الروس، أو توجيه تحذير لهم بأن أوربا مستعدة عسكريا لأي غزو لأوكرانيا.

المواجهة بين لافروف وتروس في موسكو أعادت إلى الواجهة تاريخ الإهانات اللفظية الدبلوماسية بين البلدان والحكومات، وهو تاريخ يعود إلى قرون طويلة مضت، وكمثال على ذلك قصة حدثت خلال حكم الخليفة العثماني السلطان سليم الأول، الذي حكم من 1512 إلى 1520.

وكان السلطان سليم اختار طريقة قوية للإعلان عن انتصاره على بنو ذو القدر، وهي دولة عازلة تقع بين إمبراطوريته وسلطنة المماليك في مصر، فأرسل مبعوثًا إلى القاهرة يحمل حقيبة فيها الرأس المقطوع لحاكم بنو ذو القدر، أحد أقرب حلفاء المماليك، والذي ألقاه الرسول تحت قدمي السلطان المملوكي، وفي النهاية أسقط السلطان سليم دولة المماليك بعد أن غزا القاهرة بعد ذلك بقليل.

وفي إهانة أخرى، ضرب الوالي العثماني في الجزائر السفير الفرنسي، في عام 1827 بخفاقة ذباب متسببًا في جعل الجزائر تعيش تحت الاستعمار أكثر من 130 عامًا. غير أن الدبلوماسية الحديثة تميل إلى أن تكون أقل قوة في رسائل الإهانة، ولكنها تحافظ على نفس الشحنة، فقد اشتهر هوغو شافيز، الذي حكم فنزويلا ما بين 1999 و2013؛ بالشتائم التي يكيلها للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، حيث كان يشير بانتظام إلى الرئيس الأميركي على أنه “شيطان”.

وخلال خطاب متلفز في عام 2006، وصف شافيز بوش قائلًا، “أنت جاهل وحمار ورجل خطير، وجبان وقاتل ومسؤول عن العديد من الإبادات الجماعية، فضلا عن كونك مدمنا على الكحول وكذاب”. وفي المقابل، كان الأسلوب الخطابي لشافيز لا يروق للقادة الآخرين، فخلال قمة نُظّمت في عام 2007، وبّخ ملك إسبانيا علنًا شافيز قائلًا: “لماذا لا تخرس؟”.

دبلوماسية توجيه الشتائم تضر بسمعة القادة في العالم، لكنها مثيرة للجدل وتظل الوسيلة المفضلة للقادة الشعبويين والمستبدين؛ فهم يستمتعون بإبراز شعورهم بالقوة والثقة بالنفس أمام شعوبهم. وعلى الرغم من أن دبلوماسية توجيه الشتائم تضر بسمعة القادة في العالم، فإنها مثيرة للجدل وتظل الوسيلة المفضلة للقادة الشعبويين والمستبدين، فهم يستمتعون بإبراز شعورهم بالقوة والثقة بالنفس أمام شعوبهم، بحسب ما جاء في التقرير.

ومرة وصف روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي الراحل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بـ”الصبي الذي يرتدي بنطالًا قصيرًا”، وقد أثار ذلك استحسان الناس في بلده حتى الذين كانوا يعارضونه، وربما لأسباب مماثلة؛ وصف الدبلوماسيون الصينيون جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، بأنه “صبي”.

ومن بين الحكام المستبدين الآخرين الذين لا يفكرون مليًّا قبل التفوه بكلماتهم؛ هناك رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي، الذي سبّ في عام 2016 الاتحاد الأوروبي، بعد أن انتقد أعضاء البرلمان الأوروبي حربه الوحشية على المخدرات، قائلًا “اللعنة عليكم”.

أما كيم جونغ أون، رئيس كوريا الشمالية، فقد وصف في سنة 2017، دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، بأنه “رجل خرف”، وذلك ردًّا على سخرية هذا الأخير منه، حيث كان ترامب قد وصفه قبل ذلك بـ”رجل الصواريخ”. الإهانات الدبلوماسية قد تتخذ شكلا آخر يتجاوز البعد اللفظي، ففي عام 2010، جدّ خلاف دبلوماسي بين تركيا وإسرائيل لأن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي أجلس السفير التركي على أريكة منخفضة المستوى في اجتماع.

كما وقعت حادثة مشابهة في تركيا في وقت لاحق، إذ أحست أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية بالتهميش حين أجلست على أريكة بينما كان أردوغان وشارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، يجلسان على كرسيين كبيرين. وفي عام 2007؛ أزعج فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية آنذاك، بعرض كلبه أمامها على الرغم من أنه يعرف أن ميركل تعاني من رهاب الكلاب، كما ذكرت الصحيفة في تقريرها.

ويبدو أن دبلوماسية الانتقادات اللاذعة والشتائم ستتواصل، حيث أن الشتائم الدبلوماسية اتخذت شكلا جديدا في عصرنا الحديث، وبات الدبلوماسيون يتبادلون في الوقت الراهن الصور الساخرة على أنها إهانات وتوبيخ. فعلى سبيل المثال، نشر المرشد الأعلى لإيران تغريدة تشير إلى إسرائيل على أنها “ورم سرطاني خبيث” في عام 2018، فردت السفارة الإسرائيلية في أميركا بلقطة شاشة من فيلم “الفتيات اللئيمات” (Mean Girls) الذي يدور حول مغامرات طالبات في المدارس الثانوية، كُتب أسفلها عبارة “لماذا أنت مهووس بي؟”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )