المساء اليوم - ع. الدامون: في أول ظهور علني له بعد عمليته الجراحية على الرأس، بدا عبد اللطيف وهبي بصورة المقاتل الذي لا يهاب شيئا، بما في ذلك المرض والموت، وظهر يلوح بالتهديد والوعيد وهو لا يزال يلف رأسه بضمادات، فبدا شبيها بمحارب الطواحين الشهير، دون كيشوت دي لامانتشا. وهبي ظهر في تجمع حزبه الأصالة والمعاصرة، بمناسبة أشغال المؤتمر الوطني لنساء "البام"، ربما ليطمئن أعضاء حزبه أن صحته بألف خير، لكن من الأكيد أنه أراد أيضا إيصال رسائل سياسية، لكنه أخطأ في اختيار الزمان والمكان، وكانت هذه أولى أخطائه الكبرى في سياق التغييرات الكبيرة المنتظرة في مدونة الأسرة. زعيم البام اختار تجمعا حزبيا خاصا للحديث عن موضوع يهم كل المغاربة، واختار تجمعا نسائيا حزبيا للتطرق لموضوع حساس يهم كل النساء، وكأن كل هذا لا يكفي، فإنه بدأ في إطلاق الرصاص حتى من دون وجود تهديد، على الأقل حتى الآن، وقال إنه مستعد ليتحمل جميع النعوت والشتائم والسباب من أجل المرأة، معلنا مواجهته الجميع من أجل أن يعطي للمرأة حقها في هذا البلد”. بهذه اللغة تقريبا كان يتحدث محارب طواحين الهواء، دون كيشوت، الذي كان يرد على كلام لم يقل أصلا، ويستل سيفه ضد أعداء غير موجودين، فصار بطلا في عرف نفسه، وفارسا معتوها في نظر الآخرين. يعرف وهبي أن مدونة الأسرة هي مثل أية ترسانة قانونية تحتاج باستمرار لتعديلات وتنقيحات، ويعرف أن ميدان القضاء في هذه البلاد يحتاج أكثر إلى إصلاح شامل وعميق، لكن الرجل قرر أن يرمي كل الإصلاحات الجذرية للقضاء خلف ظهره ويرفع مرة أخرى راية الجدل ويتصنع معركة وهمية لا أحد من المغاربة يحتاجها في هذه المرحلة المطبوعة بالغلاء والأزمة والمشاعر المحتقنة بالقهر والظلم. ربما كان وزير العدل سيكون أكثر إنصافا مع نفسه لو تحدث عن مشروع تعديل مدونة الأسرة من خارج مقر حزبه، حتى لا يعتبر استمرارا لنهج سلفه إلياس العماري، الذي لا يتذكره الناس سوى بمعاركه الوهمية ضد لا شيء وتصريحاته التي دخلت متحف النوادر، فجاء وهبي وأكمل المسيرة مع سبق الإصرار والترصد.. فكان أسوأ خلف لأسوأ سلف! يعرف الوزير وهبي أن لا أحد في هذه البلاد ضد إنصاف المرأة، وأن الدين صار ألعوبة في يد الجميع، كل واحد يعجنه بالطريقة التي يريد، وبالأحرى كان على وهبي أن يخوض معركة من أجل إنصاف كل المغاربة، نساء ورجالا، عبر إصلاح عميق وحقيقي للقضاء. ستكون مشكلة كبيرة أخرى في هذه البلاد لو اعتبر وهبي أن قضية مدونة الأسرة تهمه وحده أو معركة خاصة بحزبه، وسيسقط في نفس الفخ الذي سقط فيه سلفه سعيد سعدي في زمن ما، وسيصبح الشارع هو الحكم في وقت يحتاج المغاربة إلى تحقيق أولويات أخرى أكثر أهمية بكثير، أهمها العيش الكريم وتحقيق العدالة والكرامة لكل المغاربة.. نساء ورجالا. لقد خرج وهبي من الخيمة مائلا..