المساء اليوم – هيأة التحرير: مرت بضعة أيام فقط على الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان، وهو الخطاب الذي كان قويا وصارما في موضوع ندرة المياه في المغرب، إلى درجة أن الخطاب وصف هذه الأزمة بأنها بنيوية أو هيكلية، وهذا يعني ما يعنيه من خطورة بالغة. مباشرة بعد الخطاب حدث ما يحدث عادة بعد كل الخطب الملكية، الجميع يتحدثون والجميع يحللون ويهللون، بينما شاشات القنوات التلفزيونية تزدحم بمحللي آخر زمن وهم يغرقون في قضايا الماء وهم يسترقون النظر، بين الفينة والأخرى، إلى وجوههم المليحة في الكاميرا، ثم عادت الأحزاب إلى سباتها والمحللون سيبحثون عن فرصة أخرى للظهور في القنوات والخبراء يتمنون ظهور موضوع آخر للإفتاء فيه لكن الحقيقة المرة هي أنه لا موضوع آخر للمغاربة أكثر أهمية من الماء، والخطاء الملكي تحدث عن الموضوع بكثير من الصراحة والجدية، وطلب الملك من الجميع الانخراط في عملية إنقاذ المغرب، حتى لو لم يقل هذه العبارة مباشرة، لكن بين ثنايا السطور هناك تحذير من خطر حقيقي. لكن المشكلة الكبرى، إلى جانب ندرة الماء، هي أن هذه البلاد تفتقر إلى الجدية اللازمة، فالسياسيون والمسؤولون يعتبرون أن الأهم هو امتداح الخطاب الملكي وليس ما قاله الخطاب، ويعتبرون أن الأهم هو الخروج ببيانات الإشادة والتمجيد للخطاب، وكأن الموضوع الرئيسي هو الخطاب وليس ندرة الماء. حتى الآن، ونحن على أعتاب نهاية أكتوبر، تبدو السماء شحيحة جدا، ولو طال الأمر كذلك فإن الوضع سيكون أسوأ مما نتصور، وسيصبح الماء أغلى من المحروقات، وعوض أن يطالب المغاربة بتخفيض سعر البنزين فإنهم سيطالبون بتخفيض أسعار الماء، لا قدر الله. هذا ليس فيلما من الخيال العلمي، إنه الحقيقة، غير أن مسؤولينا وسياسيينا، الذين امتدحوا وصفقوا للخطاب الملكي، بمن فيهم ولاة وعمال الأقاليم، لا زالوا يخصصون كميات هائلة لسقفي العشب وملء النافورات بالمياه العذبة، كما أن قنوات الماء الشروب تنفجر في كل مكان وتظل تُضيّع الماء لساعات طويلة، أو لأيام، ولا تزال أغلب السدود ممتلئة بالطين والأنهار عامرة بالقمامة والآباء ممتلئة بالجيف، ولا تزال الزرارعات المتوحشة تستنزف ما تبقى من الفرشة المائية، ولا أحد يأبه بذلك، لكنهم يأبهون فقط للتصفيق للخطاب الملكي. هذا النفاق آن له أن ينتهي، لقد حذر الملك من خطر كبير محدق بالبلاد لذلك يجب على المسؤولين الانتباه لمصدر الخطر وليس امتداح الخطاب، يجب على المسؤولين في هذه البلاد أن يستفيقوا من غيبوبتهم المريضة ويفهموا أن الخطر كبير، رغم أن الكثيرين منهم يفكرون في الجفاف في فرنسا وإسبانيا وتركيا وليس في المغرب، لأنهم اشتروا الجنسيات الأجنبية من زمان، والجفاف في المغرب لا يعني لهم الكثير. إنها معضلة كبرى نعيشها إلى جانب الجفاف، وهي عقلية النفاق والسطحية والجبن لدى الأغلبية الساحقة من السياسيين والمسؤولين