المساء اليوم- متابعات: بين الفينة والأخرى، تصدر تقارير ودراسات تعطي الانطباع بأن المشروع القديم المتمثل في نفق بمضيق جبل طارق يربط المغرب وإسبانيا، صار قريبا جدا من الإنجاز، غير أنه يتبين، في كل مرة، أن هذا الملف بإمكانه أن يدخل كتاب "غينيس" للأرقام القياسية من حيث المدة التي قضاها في قاعة الانتظار. وفي تقرير لمجلة "جون أفريك" الفرنسية، يعرض الكاتب بلال مسجد خلفية تاريخية وطموحا متجددا لمشروع نفق جبل طارق الذي يهدف إلى ربط المغرب بإسبانيا عبر نفق للسكك الحديدية. ويشير الكاتب إلى أن هذا المشروع، الذي يعود إلى عام 1979، حين اتفق ملك المغرب الراحل الحسن الثاني والملك خوان كارلوس، ملك إسبانيا على إطلاقه، كان يُنظر إليه منذ البداية باعتباره خطوة إستراتيجية لربط أفريقيا بأوروبا وتعزيز المبادلات التجارية بين ضفتي البحر المتوسط. وعلى الرغم من التحديات الجيولوجية الهائلة التي واجهت المشروع منذ العقود الأولى، فقد ظل حاضرا في النقاشات السياسية والهندسية لدى البلدين أكثر من وجوده على أرض الواقع. وذكر التقرير أن الدراسة التقنية الجديدة التي أنجزتها شركة "هيرنكنيشت" الألمانية لصالح الحكومة الإسبانية أعادت إحياء النقاش، إذ أكدت للمرة الأولى إمكانية تنفيذ النفق من الناحية التقنية، على الرغم من التعقيدات المرتبطة بالعمق الكبير لمضيق جبل طارق وطبيعة تربته غير المستقرة. ووفق ما نشرته صحيفة "فوز بوبولي" الإسبانية، فإن مرحلة التنفيذ الفعلية قد تبدأ في حدود عام 2030، بالتزامن مع استضافة المغرب وإسبانيا لكأس العالم، غير أن هذا الكلام قيل مرارا من قبل، من دون أثر يذكر على أرض الواقع. ونقل الكاتب عن أحد أبرز مهندسي المشروع، تأكيده منذ عقود أن النفق سيكون ذا قيمة إستراتيجية كبرى، إذ يجعل إسبانيا بوابة أوروبا والمغرب امتدادا طبيعيا للقارة الأفريقية. ومع ذلك، يقر المهندس بأن المشروع واجه صعوبات تقنية غير مسبوقة، أبرزها التشققات الجيولوجية وغياب أرضية صخرية صلبة، على عكس ما كان عليه الوضع في نفق المانش بين بريطانيا وفرنسا. وعلى الرغم من هذه التحديات، يقول التقرير: يصر مطورو المشروع على الاستمرار، معتبرين أن الحل يكمن في إنشاء نفق استطلاع استكشافي قد تبلغ تكلفته مليار دولار للتحقق من صلاحية المنطقة، وهو مبلغ ضخم قد يجعل من هذا المشروع مجرد حلم بعيد المنال، في حال النظر إلى التكلفة النهائية لإنجازه. ويمثل ارتفاع التكلفة العقبة الأكبر، إذ تُقدّر الكلفة الإجمالية للنفق بـ8.5 مليارات دولار، ما يستدعي دراسات مالية معمّقة لتحديد جدوى المشروع الاقتصادية وجاذبيته للمستثمرين. وعلى الرغم من التحديات التقنية والمالية، يبقى المشروع من وجهة نظر داعميه فرصة إستراتيجية فريدة قد تغيّر مستقبل الربط بين أفريقيا وأوروبا، وتفتح آفاقا جديدة للتعاون المغربي الإسباني إذا توفرت الإرادة السياسية والتمويل الكافي، وهو ما لن يحدث قريبا.