هذا الزلزال له ما قبله.. وما بعده!

عبد الله الدامون

تقول مصالح الأرصاد الجوية إن الأيام المقبلة ستشهد تغيرا راديكاليا في الطقس،  وهذا يعني أن المغرب أمام تحد كبير جدا يتمثل في حماية من أفلتوا من الزلزال في المناطق النائية، الذين يعانون الأمرين في أيام البرد العادية، فبالأحرى وهم في هذه الظروف المؤلمة بعد أن مسح الزلزال أغلب منازلهم، أو لنقل أكواخهم.

الكارثة ليست هينة، لذلك من حق المغاربة أن يطرحوا الكثير من التساؤلات حول ما يمكن عمله في بلد اكتشف فجأة وجود مغرب آخر في أقاصي الجبال تصله الدواب بالكاد، بينما المسؤولون المتعجرفون يتصرفون وكأنهم يحكمون اليابان.

ما كان لافتا حقا هو هذه الدرجة القصوى من التضامن بين المغاربة، ولأول مرة قد يحصل فائض في الدماء لدى مراكز تحاقن الدم في كل مناطق المغرب، وكانت هناك أيضا طوابير للناس الذين وقفوا أمام الأسواق الممتازة الكبرى لشراء ما يستطيعون من أغذية وأغطية وإرسالها إلى المناطق المنكوبة، لكن هذه الأسواق التي جنت أرباحا قياسية هذه الأيام، وعلى رأسها “مرجان” و”كارفور” لم تقرر بدورها إرسال تبرعات إلى مناطق الزلزال، ونتمنى لو تكون شفافة ولو لمرة واحدة وتعلن في الأيام المقبلة عن أرباحها الكبيرة في أيام الزلزال!؟

في الجانب الإعلامي حدث ما يحدث دائما، وثبت أن قناة “الجزيرة” القطرية جاءت لكي تفرض سطوتها على المشهد الإعلامي وتتحول إلى قناة تلفزيونية مغربية بامتياز، فقد دفعت بقنوات فيصل العرايشي إلى الهامش، لذلك عمدت أغلب القنوات المغربية إلى الثرثرة وتعذيب مشاهديها عبر استضافة محللين، أغلبهم يشبهون “شعراء التكسب” الذين لا يفرقون بين التحليل والمديح.. ويتأملون أنفسهم وربطات عنقهم على الشاشة أكثر مما يتأملون مناطق الزلزال!

هناك أيضا مسألة لافتة وهي أن المتبرعين بالدم والأغذية هم في غالبيتهم المطلقة من البسطاء والطبقات المتوسطة، ولم نسمع، إلى حد الآن، عن مبادرات من كبار المليارديرات الذين جنوا ثروات خيالية وتمتعوا بمعاملات تفضيلية من الدولة، وكثيرون يتهربون من أداء الضرائب ويتصرفون مثل ملائكة. لا أحد من هؤلاء أعلن استعداده لبناء قرى نموذجية للمنكوبين، ولا أحد أعلن استعداده للتبرع بإنشاء مدارس ومستوصفات، ولا أحد قرر التبرع لبناء طرقات تكسر العزلة القاتلة عن المنكوبين، ولا أحد.. ولا أحد.. ولا أحد.. هؤلاء يعرفون فقط كيف يمصون الدم وليس التبرع بالدم.

بعد الزلزال، قال الكاتب المغربي المقيم بفرنسا، الطاهر بنجلون، إن الفقراء هم من يموتون أولا في الزلازل، وبالفعل الزلازل نادرا ما تقتل الأغنياء، وهذا ما لاحظناه في المناطق المنكوبة حيث ساهم الفقر والزلزال في قتل الناس الذين كانوا يبنون أكواخهم بالوحل والحجارة، بينما أباطرة العقار في المغرب يحصلون على الأراضي بسعر التراب ويبيعون الشقق بسعر الذهب.

وماذا عن دور الأبناك.. هذه “الكائنات” التي تتوفق على أعتى الديناصورات.. أكيد انها تساهم بقوة في التخفيف من هول النكبة لأن الناس لا بد أن يلجؤوا إليها لتحويل التبرعات، وكل مواطن أراد أن يتبرع للحساب الرسمي فيجب أن يدفع رسوم 18 درهما للبنك..! ألم نقل لكم إن الأبناك تساهم!!

أكيد أنه بعد هذه النكبة، بقصصها الحزينة جدا والمؤلمة جدا، سيكون هناك كلام كثير عن أشياء كثيرة.. كثيرة جدا، فهذا الزلزال له ما قبله وما بعده.

damounus@yahoo.com

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )