عبد الله الدامون damounus@yahoo.com جدري القردة.. ياله من اسم رومانسي جدا.. خصوصا وأننا لم نخرج بعد من فيروس كورونا ومشتقاته.. لكن تأكدوا أنه لو انتهى هذا المرض "المزعوم" بعد أسبوع أو شهر، فإن البشرية ستجد نفسها أمام فيروس جديد.. لا بهم الاسم.. فالذين يشرفون على هذه المسرحية الهزلية لن يتعبوا في العثور على اسم جديد.. فلا تزال هناك الكثير من الحيوانات والحشرات التي لم يصل دورها بعد. أهم ما في هذه الموجة من الفيروسات هو أنه أصبح من الواضح أن جهة ما تسخر من البشرية، ومنذ ظهور جنون البقر وأنفلونزا الطيور فإن القائمة لا تزال طويلة، ويبدو أن عصابة خارقة مصرة على التسلي بالبشر وجعلهم يعيشون في خوف دائم.. نحن لا ننكر وجود الأمراض والفيروسات، لكن مع توالي الأيام صرنا نؤمن بوجود العصابة، وهي عصابة يتوق الشيطان إلى أن يصبح من بين أعضائها، لكن قدراته المتواضعة لا تسمح له بذلك. أمامنا إذن، أياما طويلة من التشويق، وسيكون علينا أن نكره هذه الحيوانات الخبيثة التي كنا نعتقد أن أقصى ما يمكن أن تفعله هو الإضحاك والتهام الموز، فصارت قادرة على دفع الناس إلى حافة البكاء.. حتى وهي لا تدرك ذلك. لكن، لو صح هذا الزعم بوجود فيروس مرتبط بالقردة فلا ينبغي أن نقلق كثيرا، فالبشر والقردة أصحاب تاريخ طويل من العيش المشترك، وهم يتشابهون إلى حد القرف، وداروين اختصر كل المسافات وأرجعنا بشكل أوتوماتيكي إلى أسلافنا القردة، وهناك الكثير من أفلام الخيال العلمي التي أظهرت صراعا شرسا بين الانسان والقرد من أجل الاستيلاء على الكوكب، وكثير من الفلاسفة وعلماء الأنتروبولوجيا لا يترددون في القول إنه في حال انقراض بني البشر من هذا الكوكب فإن بني سعدان هم الأحق في خلافته، فالقردة كان لها دوما تلك القدرة الرهيبة على التأثير في بني البشر. وأتذكر رجلا بدويا عاش لفترة طويلة مع قرد، وفي النهاية تخلص منه رغم الصداقة الراسخة بينهما التي تشبه الأخوة العميقة في المسار والمصير، وعندما سألته لماذا تخلص من "أخيه" القرد، أجاب: أحسست أني أصبحت قردا أكثر منه.. هذه هي القوة الحقيقية للقردة وهي أنها تستطيع التأثير بقوة في بني البشر، والناس معجبون إلى حد كبير بالقردة إلى درجة أن مئات الملايين من البشر في الهند يعبدونها.. وهناك آلهة بصفة قرود.. ويبدو أن الهنود أدركوا في وقت مبكر مدى التأثير الكبير للقردة على بني البشر فصاروا قريبي التفكير منها.. دينيا على الأقل. لكن التأثير الأكبر الذي مارسته القردة علينا هي قدرتها على التغافل والتظاهر بأن لا شيء يحدث. إنها ترى كل شيء وتتظاهر بأنها لا ترى شيئا.. تسمع كل شيء وتتظاهر بالصمم.. تريد قول أشياء كثيرة وتفضل الصمت.. هذا هو جدري القردة الحقيقي الذي أصبنا به من زمان وهو أننا لا نرى ولا نسمع ولا نتكلم.. إنه الفيروس الحقيقي.. وما عدا ذلك فمجرد تفاصيل زائدة.