المساء اليوم - ح. اعديل: من دون أي تردد، يمكن القول إنه لم يسبق لقضية الوحدة الترابية للمغرب أن عرفت كل هذا الزخم من الإنجازات الدبلوماسية التي كرست الإيمان الراسخ لدى المغاربة، وهو أنه لا رجوع في هذه القضية التي تشكل استكمالا طبيعيا للوحدة الترابية للمملكة. وفي نفس السياق، يمكن القول إنه لم يسبق للانفصاليين، ولحاضنتهم الجزائر، أن عاشوا كل هذه السلسلة من الصدمات الدبلوماسية من الوزن الثقيل، والتي كان يصعب عليهم مجرد تخيلها، فصارت واقعا مريرا يصعب عليهم تحمله. الجزائر التي اصطادت طويلا في المياه العكرة أيام السبات الشتوي للدبلوماسية المغربية، لا تجد اليوم سوى إصدار بيانات التنديد والشجب إزاء الاعتراف الدولي المتتالي بمغربية الصحراء، وأيضا للدعم العالمي المتواصل لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، كحل أخير لا حل بعده. ويمكننا أن نتصور طبيعة الإحساس الجزائري عندما اعترفت حكومة الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، ووقتها لم تستطع الجزائر تحريك سبابتها احتجاجا، ولو من تحت الجلباب، كما يقول المثل المغربي، لكن هذه الجزائر هي التي أرغدت وأزبدت عندما دعمت إسبانيا مخطط الحكم الذاتي، وفعلت أقل من ذلك مع فرنسا، ويبدو أن الجزائر تنتظرها الكثير جدا من ردود الأفعال المنفعلة، لأن ما هو آت لن يكون لها مبعث سرور، بالتأكيد. ليس هذا فقط، فكثير من بلدان العالم سارت نحو إلغاء اعترافها بجمهورية البوليساريو في تندوف، وقبل أيام أعلنت الإكوادور سحب اعتراف قامت به في سنة 1983، بل وقررت "إغلاق" سفارتها لدى البوليساريو، والأكيد أن الإكوادور لن تبذل أي مجهود لإغلاق هذه "السفارة" لأنها مجرد شيء رمزي أكثر مما هو واقعي، لأنه لا يعقل أن يكون لبلد واحد سفارتين في بلد واحد، وهو الجزائر طبعا..! وبمناسبة ذكر الإكوادور، فهي بلد من أمريكا اللاتينية التي كانت الجزائر تعتبرها مجرد حديقة خلفية لدبلوماسيتها، وكان يكفي إرسال فاكس من الجزائر لبلد لاتيني للاعتراف بالبوليساريو، فيتم ذلك بسرعة البرق. اليوم تبدو الأشياء مختلفة كثيرا، والقنصليات تفتح في الصحراء وفق معايير دبلوماسية كاملة، والدعم الدولي لمغربية الصحراء يتواصل بشكل شبه يومي، والواقع على الأرض لم يعد أبدا كما كان زمن عربدة العصابات الانفصالية، لذلك عندما أعلن المبعوث الأممي للصحراء، ستيفان دي ميستورا، عن وجود اقتراح حول تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو، فإن المغاربة، وكل من يعرفون حقيقة الوضع في الصحراء، تساءلوا: تقسيم.. عن أي تقسيم تتحدثون..!؟ اليوم، يجب على الجزائر أن تبذل مجهودا أكبر مع نفسها للاقتناع بأن مسألة الصحراء انتهت، وأن الأحلام القديمة صارت ذكريات من الماضي، وأن التقسيم ممكن في حالة واحدة، وهي أن تعيد الجزائر للبلدان المجاورة لها المساحات الشاسعة التي اقتطعتها فرنسا لإلحاقها بالجزائر الفرنسية.. لأن الجزائر كانت أول بلد في العالم يستفيد من الحدود الموروثة عن الاستعمار.. لذلك دافعت بشراسة من أجل عدم المساس بها.. وكل هيأة دولية تنخرط فيها الجزائر فإنها تصر على تضمين هذا البند في "قانونها الأساسي"، مثلما فعلت في منظمة الاتحاد الإفريقي. الجزائر التي حلمت طويلا بمنفذ على المحيط الأطلسي، أكيد أنها ستعاني كوابيس كثيرة في المستقبل وهي ترى عددا مهما من بلدان إفريقيا، التي لا منفذ لها على البحر، وهي تحظى بترحاب مغربي لافت في موانئه الجنوبية، على رأسها ميناء الداخلة، الميناء الذي يعكس طبيعة التضامن الإفريقي وعمق الشعور المغربي بانتمائه لقارة تعد بالكثير اقتصاديا. المغرب يمكنه أن يقتسم فعلا بعض الأشياء، مثل المنافع الاقتصادية والإحساس بالتآزر والتضامن مع الأشقاء الأفارقة وجعل مرافقه الاقتصادية في خدمة تنمية هذه القارة ومستقبل شعوبها، أما سوى هذا فلا وجود لتقسيم سوى في أذهان عقليات تعاني الانفصام المزمن.