عبد الله الدامون damounus@yahoo.com لا يجب على المغاربة أن يحلموا، والمقصود هنا هو أحلام اليقظة لعشرات الملايين من الناس، الذين ينتظرون اليوم الذي تنخفض فيه الأسعار، لكن هذا الحلم صار بعيد المنال، فقد وقعت الفأس في الرأس. فبعد عدة أشهر من إطلاق الأكاذيب الحكومية بكون الارتفاع الفاحش للأسعار مسألة مؤقتة، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن "المجهودات" التي قامت بها الحكومة من أجل الحد من ارتفاع الأسعار لم تحقق الأهداف المطلوبة، مع تطمينات “للمرة الألف” بأن الأسعار ستعرف استقرارا خلال الأيام المقبلة، لكنه لم يوضح جيدا المقصود بكلمة “استقرار”. ويبدو من كلام بايتاس أن المقصود بالاستقرار هو أن الأسعار لن ترتفع أكثر، لكن المخيف في كلامه هو أن الأسعار لن تنخفض، لا اليوم ولا غدا ولا في مقبل السنوات، وأن كل ما يمكن للمغاربة أن يفعلوه هو التضرع إلى المولى جلت قدرته بالدعاء الشهير: اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه. حتى الكوميديا الحكومية الرديئة فشلت، عندما جند التلفزيون الرسمي مئات الكاميرات لمطارة القياد والعمال والباشوات والولاة في الأسواق وهم يطاردون الأسعار، فبدا المشهد قريبا جدا من السلسلة الكرتونية "طوم وجيري"، والفارق هو أن السلسلة التلفزيونية مضحكة، بينما الكوميديا الحكومية مضحكة جدا جدا.. حد البكاء! ولأن كلام بايتاس جاء شبيها بهرطقات الشوافات الفاشلات، فإن المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، قرر أن يطلق رصاصة الرحمة على أحلام الناس بانخفاض وشيك للأسعار، وأكد أن الأسعار الفاحشة التي تسبب احتقانا اجتماعيا منذ عدة أسابيع لن تنخفض، بل ستصبح أمرا واقعا، وأن الوضعية ليست عابرة و ظرفية كما يُروج لها فلاسفة "الدولة الاجتماعية". هكذا يبدو الواقع أوضح وأمر، وأن ماطيشا والبصل وشقيقاتها التي انخفضت أسعارها، نسبيا، لبضعة أيام، لن تعود مجددا لسالف عهدها، وأن الأبقار المستوردة من أمريكا اللاتينية لن تقدم ولن تؤخر، لأن أسعار اللحوم صارت مثل المؤذن المجنون الذي صعد الصومعة.. لن تنزل أبدا. لقد قدم الحليمي أسبابا كثيرة لجنون الأسعار الدائم، وفند أيضا الكثير من الأساطير المؤسسة للسياسات الاقتصادية الحكومية، لكنه، للأسف، نسي أو تناسى أن أكبر الكوارث في هذه البلاد هو الفساد واستشراء النهب بمختلف أشكاله، وأن الجفاف والتضخم وباقي الأسباب التقنية تبدو مثل الأقزام السبعة التي تلعب في محيط غول عملاق اسمه الفساد. أكيد أن المغاربة مطالبون بأن يحسنوا التعامل مستقبلا مع عاداتهم الاستهلاكية ومع حتمية التغيرات المناخية، وأن يحسنوا تدبير زراعتهم ويحافظوا على ثرواتهم المائية، لكن الجميع يعرف أن الحشيش يستهلك أغلب الثروة المائية للبلاد، بينما يستفيد من عائداته رهط من المافيوزيين الذين "يتبندون" علينا في الشوارع بسيارتهم الفارهة ويسكنون الفيلات والقصور المحصنة. كان يجب على مندوبية الحليمي أن تطالب بالإيقاف الفوري للزراعات المتوحشة، مثل لافوكا والدلاح والفريسا وغيرها، وهي التي تعطش المغاربة الآن ومستقبلا، بينما يستفيد من عائداتها رهط من الإقطاعيين المحليين والأجانب... كان على مندوبية الحليمي أن تخبر المغاربة بأعداد الأغنياء في المغرب يرتفع عددهم كل عام بسبب اللصوصية والفساد وتجارة المخدرات، وأعداد الفقراء يتضاعفون باستمرار، فصارت البلاد تنقسم إلى فسطاطين.. الطبقة الغنية جدا.. والطبقة الفقيرة والفقيرة جدا.. وبينهما فراغ مهول ومخيف ينذر بأوخم العواقب. وسط هذا السواد القاتم حاليا وفي مقبل السنوات، هناك نقطة ضوء ساطعة، إلى درجة الكي، وهي أن المغرب مرشح لاحتضان مونديال 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال، وهو ملف قوي جدا، وإلى حدود ذلك اليوم، يمكن للمغاربة أن يأكلوا الكرة.. كما تقول حكاية ماري أنطوانيط مع البسكويت!..