عملية “طورش”.. الإنزال البحري الأمريكي الكبير في فضالة

المساء اليوم – متابعات:

عملية «طورش» أو «الشعلة» الأمريكية، التي وصفت بأنها الأضخم في التاريخ العسكري العالمي، احتضنتها شواطئ كل من آسفي والمحمدية، (كانت معروفة باسم فضالة سابقا)، والقنيطرة (بدورها كانت معروفة بميناء ليوطي).

لكن أشهر عملية إنزال كانت تلك التي احتضنتها شواطئ الدار البيضاء، حيث حج الآلاف لرؤية وصول القوات الأمريكية، خصوصا أن السلطات الفرنسية أخلت أمامها المجال لدخول الأراضي المغربية، بعد انتشار أخبار وإشاعات كثيرة عن احتمال نشوب مواجهات بين الجيشين. لكن المغاربة رأوا يومها بأعينهم كيف أن الفرنسيين لن يستطيعوا بالتأكيد، الصمود أمام المعدات الثقيلة التي أنزلها الأمريكيون يومها، بل وأثنوا على البنية الجسدية للجنود الأمريكيين، وكانوا يرون فيهم القوة القادمة من وراء المحيط، لكي تنتقم لهم من فرنسا وجيشها وتفقدهم السيطرة على المغرب.

وقتها انتشرت إشاعات أخرى مفادها أن الأمريكيين سوف يساعدون المغرب على الاستقلال التام عن فرنسا فور انتهاء الحرب، وهي المعلومة التي تضاربت بشأنها الأقاويل، سيما في صفوف المثقفين المغاربة وأعضاء الحركة الوطنية.

وبالعودة إلى الإنزال التاريخي للقوات الأمريكية، فإن آسفي شهدت إنزالا لم يُسلط عليه الضوء، رغم أنه كان ضخما جدا مقارنة مع حجم المدينة وعدد سكانها، حيث نزل الجنود الأمريكيون على بُعد كيلومترات فقط من المدينة، وكانت وحدات الجيش الفرنسي قد أخلت المجال أمامهم لكي يتقدموا، وفق الخطة التي وضعها الجنرال «أيزنهاور».

عرفت المدينة الصغيرة والهادئة استنفارا كبيرا جراء عملية الإنزال، ولم تشهد آسفي في تاريخها حدثا مماثلا. فقد رست على شاطئها سفن أمريكية، وبدأ الجنود في فتح بوابات السفن لإنزال وحدات الجيش والآليات الثقيلة التي سيتم استعمالها في الحرب العالمية الثانية، التي كانت أمريكا تدخلها بكثير من الحماس للرد على الضربة التي تلقتها في «بيرل هاربور»، لتكون بداية الرد الأمريكي على الهجوم الياباني، انطلاقا من الشواطئ المغربية للتحرك منها إلى بؤر الحرب في أوروبا وآسيا.

108 دبابات نزلت في سواحل آسفي، بعدما كانت مخزنة في بواخر عملاقة. كان المنظر غريبا على سكان آسفي وهم يتابعون نزول هذا العدد من الدبابات من السفن، بالإضافة إلى طائرات تكلفت بتغطية عملية الإنزال في كل من الدار البيضاء والمهدية وآسفي والمحمدية، التي كانت وقتها تسمى «فضالة». كان الحديث، حسب بعض المصادر الأمريكية، عن أزيد من 172 طائرة مقاتلة حُشدت جوا لتأمين عملية الإنزال. مئات الجنود نزلوا في آسفي، وبدؤوا يتحركون إلى الأمام مبتعدين عن الشاطئ، وفي طريقهم كانوا يصادفون سكان آسفي ونواحيها، وكان الجميع ينظر إليهم باستغراب، لاختلاف سحناتهم عن ملامح الفرنسيين الذين أصبح وجودهم في المغرب اعتياديا، حتى أن أحد الجنود الأمريكيين كتب في مذكراته يقول: «كانت لدي مئات الأسئلة تتضارب في رأسي عن المكان الذي سننزل فيه، لم يحدث أن ابتعدت عن البلاد بكل هذه المسافة وراء البحر. في يوم الوصول، كانت تبدو لنا المنازل الصغيرة للبسطاء من سكان المكان الذي خُطط لننزل فيه. هناك قوات أخرى تنزل الآن في الدار البيضاء، قال لنا رؤساؤنا إن الوحدات العسكرية ستتفرق كلها على الأرض، ليتم شحن المعدات والجنود مجددا إلى أماكن المواجهات. بدا لي أن الناس هنا مسالمون.

كانوا يلوحون للمدرعات بإعجاب كبير، بينما كان الأطفال يجرون ويتقافزون مشيرين بأصابعهم إلى السماء، لرؤية الطائرات العسكرية التي كانت تؤمن لنا عملية النزول».

ورد هذا المقطع في واحدة من الشهادات التي سجلها موقع أمريكي متخصص، عن بقايا ذكريات الحرب العالمية الثانية والأمريكيين الذين شاركوا فيها، ولا شك أنهم حملوا معهم جميعا ذكريات عن المغرب، خصوصا وأن العملية تحولت لاحقا إلى بداية للوجود العسكري الأمريكي في المغرب عن طريق القواعد الأمريكية، التي بقيت قائمة حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )