المساء اليوم - ح. اعديّل: لسبب ما، قرر عمدة طنجة، منير الليموري، الملقب بالإسكافي، أو "مُول الصباط"، أن يخرج عن صمته الذي استمر لسنوات، وأجرى لقاءات "صحفية"، تناولت في غالبها المواضيع الثنائية العامة التي تجمع "مول الصبّاط" بمحاوريه. وفي أول وآخر حوار له، بدا أن عمدة طنجة يكرس نظرة سكان طنجة له بأنه نكبة حقيقية في تاريخ المدينة، وأن حزبه، الأصالة والمعاصرة، ينبغي أن يؤدي ثمن إهانة سكان طنجة عبر تعيين شخص يشبه شيكا بلا رصيد عمدة على مدينة تعتبر ثاني قطب اقتصادي بالبلاد. وتوقع كثيرون أن يكون هذا الحوار محاولة، على الأقل، لعمدة طنجة بأن يظهر كشخص متعلم وسياسي كفؤ ورجل يملك بعض الحكمة، فتبين أن "مول الصباط" كان يجب أن يقف في قفص الاتهام بقاعات المحاكم ليجيب على مئات الأسئلة حول عشرات الفضائح الخطيرة التي تورط فيها. غير أن هناك مشكلة إضافية ينبغي الانتباه إليها، وهي أن العمدة مول الصباط، في حواره الأخير، كان يحاور نفسه، لأن "الصحافي" الذي كان يجلس قبالته هو مجرد أجير عنده، والأمر كان يشبه نظرية "الحوار مقابل الغذاء". هذا بالضبط ما تأكد في "الحوار المهزلة"، الذي حاول فيه "الصحافي" فتح رجليه أكثر من اللازم، لا لشيء، بل فقط من أجل أن يستطيع العمدة تمرير كراته تحتهما، ربما لينافس على الكرة الذهبية..! وقبل الحوار، جالس "الصحافي" مُشغّله العمدة أكثر من مرة، ووضع أمامه كل الأسئلة التي سيطرحها، بعد تصفية كل الأسئلة المزعجة، وتم تلقين "مُول الصباط" الأجوبة حرفيا، ومع ذلك بدا العمدة غير قادر حتى على إقناع نفسه، وجعل المغاربة يتذكرون ذلك الكائن الذي أجرى الامتحان لوحده وحل في الصف الأخير..! خلال هذا الحوار الأعجوبة لم يتم طرح أي سؤال حول كيفية وصول المدعو منير الليموني، أو الليموري، إلى عمدية طنجة، ولا كيف تورط في فضائح مثيرة بسرعة قياسية، ولا كيف عجز القانون عن متابعته رغم أن أقل منه بكثير في مجال الخروقات تم عزلهم بسرعة قياسية، مثلما حدث لرئيس مقاطعة طنجة المدينة، محمد الشرقاوي. فتى العمدة، الذي كان يمارس دور الصحافي، لم يسأل عن الرخص المشبوهة، ولا عن المال العام المنهوب، ولا عن الفيلا التي يحكى أن العمدة اشتراها مؤخرا بالجنوب الإسباني، ولا عن فضيحة سوق سيدي احساين، الذي تحدثت عنه وسائل إعلام دولية وطالبت بمنع المغرب من تنظيم المونديال بسبب ذلك. الصحافي، أو "الواد الشغّال" عند العمدة لم يسأل الباطرون عن "امرأة البراق"، التي يعرفها كل الطنجاويين، والتي تستقبلها سيارة تابعة للجماعة كل نهاية أسبوع بمحطة البراق وتحملها إلى مكان مجهول، أو معلوم، وتقضي ليلة أو ليلتين، قبل أن تعود مجددا، على سيارة الجماعة، إلى محطة البراق، بجيوب، وحتى بعيون، منتفخة من قلة النوم. لم يفكر الصحافي "مول المظل" في استفسار مُشغّله "مول الصباط" عن الفضيحة المجلجلة لرمي كميات هائلة من النفايات المسمومة يوميا في مضيق جبل طارق وتلويث مساحات هائلة من الشواطئ، وهي طريقة جديرة بالمافيا وليس بجماعة منتخبة. الأكيد أن الصحافي والعمدة اتفقا سلفا على التلاعب بالماتش، لكن ذلك لم يكن ليتم بهذه الطريقة الفجة، فحتى المباريات "المخدومة" فيها بعض الفرجة، لكن غباء الرجلين كان خرافيا، ولو أن في المدينة هيآت صحافية حقيقية لقامت بمقاضاة "الصحافي" ومحاوره بتهمة إهانة مهنة الصحافة وتحويلها إلى ارتزاق علني مشين. ربما كان البعض يتوقعون أن يسأل الصحافي باطرونه عن الفضيحة الكبرى التي حملت اسم "منير مون بيبي"، أو "العمدة مون بيبي"، حين تحولت جلسات "مُول الصبّاط" ومستشاره الأحمق وبعض الأنذال "السابقين" من داخل الطابق الرابع إلى جلسات مافيوزية للتخطيط لنهش الأعراض والسب والقذف واختلاق الأكاذيب، وفي النهاية، تمت التضحية بكبير الحمقى وأفلت العمدة (......) من المتابعة. كان بالإمكان طرح عشرات الأسئلة الأخرى المتعلقة بفضائح منير الليموري، من بينها شيك بدون رصيد وتشويه سمعة مؤسسات اقتصادية وطنية ودعم مهرجانات خارج تراب طنجة ومنح رخص لا تدخل في صلاحياته وأشياء كثيرة أخرى تدفع مباشرة نحو "عين دالية"..! كنا نتمنى أن يتوجه الصحافي إلى صاحب قوت يومه بسؤال حول من وعده بأن يكون وزيرا في الحكومة المقبلة التي تسمى "حكومة المونديال"، بل من وعد "حزب المخدرات"، كما يسميه الحاج بنكيران، بالحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة وكيف سيحصل ذلك ومن سيساعد على اقتراف هذه المذبحة الانتخابية، في حال لو حصلت فعلا..! طبعا، هناك أسئلة لا أحد يحبذ طرحها، مثل أيام الجبن والمورتاديلا، وسيارة طويوطا وشارة الطبيب، والجلود المخبأة هنا وهناك، وما جرى للإسباني الذي كان يشتغل عنده مول الصباط، وأسئلة أخرى يجب أن تبقى في إطار الشؤون الشخصية. وبما أن كل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، لم يتم طرحها، فقد كان من الممكن تحويل الحوار العجيب إلى تسلية، وتوجيه سؤال إلى العمدة في مجال الذكاء الاصطناعي يقول: لو أن حمارا وجد نفسه فجأة على سطح عمارة، كيف يمكن إقناعه أنه ليس "سوبيرمان"، وأهم من هذا كيف يمكن إقناع الحمار بالنزول، سواء عبر الأدراج أو المصعد..!؟ وهناك سؤال آخر حول الأقزام السبعة، سنعود له لاحقا.