الموروث الثقافي بين الأمس واليوم في السعيدية

بنيونس بحكاني

استمعت مؤخرا لحديث بطله السيد رئيس جماعة السعيدية الجديد والحالي يتناول فيه كلاما عن الموروث الثقافي للمنطقة ، معتبرا “وعدة ولاد منصور”التي تنظم كل سنة في المدينة موروثا ثقافيا للمنطقة ،وهذا أمر لن يختلف حوله اثنان، لكنني في نفس الوقت كإبن من أبناء الشرق، أتساءل ما هو انعكاس هذا الموروث الثقافي على المدينة؟ وهل هذا الموروث مثلا استطاع أن يصل إلى سجلات اليونسكو التي تحفظ التراث اللامادي للبشر و الإنسانية؟ أو على الأقل ثمة اعتراف رسمي به من إحدى الوزارات المهتمة بالشق الثقافي والفني والتعليمي لبلدنا.

“وعدة ولاد منصور “هي كباقي الوعدات أو المواسم التقليدية التي تنظم بالجهة الشرقية، فمثلا في قبائل بني يزناسن فقط ، نجد ما يتعدى خمسين وعدة أو صدقة كما يسميها منظموها من المحسنين والمنتمين لتلك القبائل أو الدواوير، ونذكر من بين هذه الوعدات وعدة ولاد علي الشباب وعدة ولاد لهبيل وعدة بني وكلان وعدة أهل ورطاس وعدة سيدي علي البكاي وعدة عين الصفا وعدة تافوغالت بني موسي وغيرها من الوعدات المعروفة بين أهل أنكاد وبني كيل ولمهاية، وهي في الأساس ذات طابع ديني محض، تعد فرصة لأبنائها من أجل صلة الرحم والترحم على الموتى من أهاليهم، والدعاء فيها للاحياء بالخير والبركة وكذلك التضرع لله من أجل أن يمن الله على الأرض والعباد بالغيث، أما المأدبات المقدمة في الوعدات هي الطعام أو الكسكس المؤثث غالبا بالبصل والحمص والزبيب وبعض الخضر والتمر واللبن والعسل، وغالبا ما يقام خلال الوعدة أو قبلها عمل خيري تطوعي مثل ترميم المسجد والمقبرة والختان والمساعدة على الزواج، أو على الاقل تدارس مشاريع لتوسيع طريق ما أو تهيئته وما إلى ذلك من إصلاحات، وكل هذا حبا وطواعية، حيث أن الساهرين على شؤون تنظيمها متطوعون من أهل الدوار منظمين في شكل جماعة تسهر على جمع الشمل بين أبناء القبيلة، سواء من السكان أو المغتربين والمهاجرين.

وبطبيعة الحال هي سنة حميدة ظهرت في القرنيين الماضيين خصوصا، وتم تكرارها بصفة منتظمة بعد استقلال المغرب بعدما عرفت جمودا ومنعا مع الاحتلال الفرنسي والحماية تحسبا لأي انتفاضة تطالب باستقلال المغرب.أما عن تمويل الوعدات فقد عرف منذ قديم الزمان انه يقام من تبرعات بعض العائلات والأشخاص والنبلاء من ابناء القبيلة أو الدوار، ولم تسجل في السابق في هذه الدواوير والقبائل أن هناك جمعية تستفيد من تمويل الجماعات، لأن القانون لا يسمح باستفادة الجمعيات الدينية أو السياسية أو من بين أهدافها ما هو ديني أو سياسي .غير أنه في هذا الحال تستفيد جمعية وعدة منصور بدعم من الجماعة الذي يقدر حسب المتتبعين في السنوات الاخيرة مابين 10 ملايين سنتيم و14 مليون سنتيم وليوم واحد.

المثير هو أن السيد رئيس الجماعة يتحدث عن وعدة ولاد منصور وكأنها الوعدة الوحيدة الموجودة في الجهة الشرقية، وواضح أنه طرف في تنظيم هذه المناسبة ويصر كل مرة أنها موروث ثقافي، في الوقت الذي لا يبدي أي اهتمام بالثقافة في جماعته بل ويحاربها بوسائله واستغلال نفوذه ومركزه الجماعي كرئيس، مع العلم أن هناك جمعيات عديدة تساهم بفعالية في ارساء وتنشيط الثقافة بالمجال الجماعي في شتى الاهتمامات للمواطن الشرقي .وقد سبق لبيان استنكاري لحزب التقدم والاشتراكية والذي يكون أعضاءه في مجلس الجماعة المعارضة يوم 3 يونيو 2025 أن استنكروا هذا الاقصاء لنشاطات كثيرة يسعى لها الممجتمع المدني في السعيدية ،دعا فيه البيان إلى الانفتاح والتعاون واحترام التعددية لخدمة الصالح العام ،حيث لاحظوا حسب بلاغهم مظاهر الشطط واستعمال السلطة وعدم تكريس الاقصاء وتصفية الحسابات السياسية والانتقام من كل من يخالفه الرأي والتضييق عن الجمعيات المستقلة في مواقفها وتحويل دعم الجمعيات إلى أداة للولاء السياسي، وحرمان كل من لا يتفق مع رؤية السيد الرئيس من الاستفادة، معتبرين أن هذا الرئيس لا يتوانى في عرقلة المشاريع والمبادرات المحلية.

وفي هذا الصدد، وبالملموس، يتساءل المهتمون بالشأن الثقافي كيف تم إدراج مشروع الشراكة لجمعية الأمل المنظمة لمهرجان السعيدية السينمائي مرتين في جدول الأعمال منذ شتنبر 2023، وتم سحبها مرتين وفي دورة فبراير انسحب 3 أعضاء لعدم الاتفاق مع الرئيس ومن معه عن عدم التصويت لمشروع الشراكة لجمعية الامل للتعايش والتنمية، في حين تم التصويت في دورة لاحقة لجمعية وعدة أولاد منصور.

هنا يطرح السؤال هل مهرجان السعيدية السينمائي الذي نظم دورته العاشرة على مدى 12 سنة وحضره ما يزيد عن 500 فنان وفنانة ومخرج ومخرجة من داخل وخارج المغرب وإعلاميون من القنوات الرسمية للبلاد ووكالة الانباء العربية ولمدة 5 أيام ، هل هو مكسب ثقافي جاد أم لا؟ هل له قيمة ثقافية مضافة لجماعة السعيدية أم لا ؟ هل يفيد بالنهوض بالمجال الثقافي والسياحي لمدينة السعيدية أم لا؟
وأين نحن إذن من روح الحكامة والديمقراطية المحلية والتشاركية من كل هذا؟

الموروث الثقافي كيف ما كان نوعه ولونه عند المغاربة ليس حصرا على أحد ، بل هو قيمة مشتركة و فن عيش بين كل فئات المجتمع بما هو في الماضي والحاضر والمستقبل يستوعب كل الاجيال ،و لا يقتصر على الاشخاص أو القبائل أو الحواضر أو البوادي ،بل هو إرث كل الناس كيفما كانت انتماءاتهم وعقائدهم ومذاهبهم وأحزابهم وتياراتهم.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )