الإصلاحات الحقيقية.. لا علاقة لها بمخططات التخريب في الغرف المظلمة..

المساء اليوم – هيئة التحرير

بعد بضعة أيام من احتجاجات بدأت سلمية لوقت قصير جدا، يبدو المشهد الآن أكثر وضوحا، أو لنقل إنه أقل غموضا.

فقبل بضعة أشهر بدأت حملة حادة وممنهجة ضد المؤسسات بالمغرب، ومن بين أبرز المؤسسات التي استهدفتها تلك الحملة كانت المؤسسات الأمنية والدستورية.

كان الأمر في البداية يشبه حملة عفوية تستهدف انتقاد أخطاء هنا وهناك، ومع مرور الوقت بدا أن الهدف الرئيسي هو المؤسسات الأمنية والدستورية عموما، برجالها وقياداتها.

وبدا مثيرا أنه مع مرور الوقت استعمل مروجو تلك الحملة كل أساليب التشهير والسب والقذف. فقد كانوا يستعجلون تحقيق أهداف هم وحدهم من يدركون طبيعتها.

كان من الصعب وقتها فهم دواعي تلك الحملة المحمومة، لكن اليوم، تبدو دواعيها أكثر وضوحا، فالهدف كان هو التمهيد لما سيأتي لاحقا، أي محاولة إضعاف المؤسسات الأمنية والدستورية، ثم تأتي لاحقا عمليات تخريب منظمة ترتدي رداء الإصلاح.

اليوم، ونحن نرى قاصرين وبعض الشباب المنفلتين من أي تأطير يقودون عمليات التخريب، فسندرك طبيعة المخطط الذي رسمه أصحابه في الظلام ثم اختفوا خلف مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد استعملوا بعض شعارات الإصلاح المشروعة جدا، لكن حتى قبل أن ينتبه الجميع لتلك المطالب، التي يرددها المغاربة قبل عقود، فإن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب، وبدا جليا أن الهدف لم يكن أبدا تحقيق تلك المطالب المشروعة، بل فقط استخدامها من أجل أهداف أكبر وأخطر، وهو إدخال البلاد في نفق الفتنة والفوضى.

من الصعب أن نفهم كيف أن حركة تقول إنها تطالب بالإصلاحات لا قيادة لها، ومن الصعب أن البيانات تنزل عبر الأنترنيت غير موقعة، أو مفبركة. ومن الصعب أن نفهم كيف أن الأغلبية الساحقة التي تخرج في الاحتجاجات من قاصرين لا يفهمون حتى فحوى الشعارات التي يرددونها، وأكثر من هذا، أغلب الوجوه التي تقود الاحتجاجات لا تنتمي إلى نفس المدن. إنها أشياء غاية في الغرابة.

حتى في حراك 20 فبراير، الذي حرك جزءا مهما من المجتمع، كان المشهد أكثر وضوحا بكثير، فقد كانت القيادات واضحة، والمتظاهرون ناضجون وملتزمون بالسلوكات الحضارية للاحتجاج، والتصريحات يدلي بها أشخاص لا يخفون وجوههم، والشعارات وازنة وواقعية.

لكن ماذا نرى اليوم..؟ نرى أشياء مدهشة لحراك بلا قيادة.. لمناضلين بلا ملامح.. لمطالب عادلة يرفعها قاصرون في الغالب يقطعون الطريق السيار لإصلاح التعليم..! لبلاغات بلا توقيع.. لاحتجاجات تتحول بسرعة مذهلة لعمليات تخريب، ربما لأن الذين رسموا المخطط يستعجلون وقوع أشياء يعتبرونها أهم بكثير من إصلاح الصحة والتعليم.

نحاول أن نفهم العلاقة بين إصلاح الصحة والتعليم وقطاعات أخرى وبين الهجوم على مركز للدرك ومحاولة سرقة أسلحة. هل كان مقررا أن يتم استعمال الأسلحة في إصلاح الصحة والتعليم..!؟ ربما.

لا نريد أن ندخل كثيرا في تفاصيل الشبهات التي تحيط بمطالب عادلة، ولا نريد أن ننبش في الكثير من التفاصيل حول السرعة المذهلة التي انتقلت بها الاحتجاجات من السلم إلى الفوضى، ولا في أشياء كثيرة “إن تُبْد لكم تسؤكم”.. بل نحاول فقط أن نثير نقاشا منطقيا ونعمل على ربط الأحداث ببعضها.

هناك جانب آخر من الغرابة فيما يجري ويتعلق بطبيعة تعامل جزء من الإعلام الأجنبي مع الأحداث. ويبدو أنه إعلام لا يكتب من محابر مختلفة.

هناك عناوين بارزة في صحف أجنبية تقول إن الإحتجاجات عارمة في المغرب ضد تنظيم المونديال (هل صرخ محتج ضد المونديال..؟).. وهناك عناوين ترسم صورا غريبة للاحتجاجات وكأن المواطن المغربي لا يجرؤ على الخروج صباحا من منزله، وكأن المغرب يعيش سيبة مطلقة من اقتحام المؤسسات وخرق وسرقة البنوك.. لذلك من الطبيعي أن نعود إلى نقطة البداية ونربط مجددا بين تلك الحملة العنيفة التي استهدفت المؤسسات الأمنية والدستورية وبين ما يجري الآن من تهييج وتحريض على العنف.

حمدا لله أن الأغلبية الساحقة من شباب المغرب ورجاله ونسائه لا تنقصهم الحكمة لفهم ما يجري، والجميع يعرف معنى الإصلاح في بلد يسير بعناد نحو تنمية حقيقية، رغم كل المشاكل، ورغم كل مظاهر الفساد هنا وهناك، وبين محاولة شرذمة تختفي خلف زرقة الفيسبوك الداكنة لكي ترسم مخططا سيئا جدا لهذه البلاد. فالذين يرسمون المخططات الجهنمية في الظلام، لن يستطيعوا منع الشمس من الشروق كل صباح.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )