المساء اليوم - وكالات: في كلمته الافتتاحية لمؤتمر الأطراف الثلاثين للمناخ (كوب30)، المنعقد في مدينة بيليم بمنطقة الأمازون من 11 إلى 22 نوفمبر، أكد الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أن "الوقت حان " لإلحاق هزيمة جديدة بمن ينكرون حصول التغير المناخي". مؤكدا ضرورة الحفاظ على التعاون الدولي في هذا المجال، في وقت تتراجع فيه بعض القوى الكبرى عن التزاماتها البيئية. بهذه العبارة، لفت لولا الانتباه إلى أحد أشكال العرقلة التي تواجه مكافحة التغير المناخي، وهو إنكار بعض الأطراف لحجم المشكلة وتأثيراتها. وأن الحفاظ على كوكب الأرض يتطلب تضامنا عالميا يتجاوز الحسابات السياسية والاقتصادية الضيقة. ويأتي هذا المؤتمر فيما يشهد العالم انعكاسات كارثية أحيانا لآثار التغير المناخي من موجات حر غير مسبوقة وحرائق غابات وفيضانات، يقابلها تراجع واضح في الالتزامات الدولية بخفض الانبعاثات، لا سيما من بعض الدول الصناعية الكبرى. وتبرز في هذا السياق ظاهرة "الإنكار المناخي"، التي تُعد من أبرز العوائق أمام تنفيذ السياسات البيئية، سواء على مستوى صناع القرار الذين يترددون في اتخاذ إجراءات جذرية، أو على مستوى المجتمعات التي لم تترسخ لديها بعد ثقافة الوعي البيئي. لماذا ينكر الكثير من الأشخاص ظاهرة التغير المناخي؟ ظاهرة إنكار التغير المناخي ليست مجرد موقف فردي، بل هي ظاهرة اجتماعية معقدة تتداخل فيها عوامل معرفية ونفسية وسياسية. فالكثير من الناس يجدون صعوبة في إدراك المخاطر البعيدة أو التدريجية مثل تغيّر المناخ، لأن العقل البشري ميّال إلى التركيز على الأخطار المباشرة والفورية. كما أن غياب المعرفة العلمية الدقيقة أو انتشار المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يساهم في ترسيخ الشكّ والإنكار. إلى جانب ذلك، هناك جانب نفسي يتمثل في ما يُعرف بـ "الإرهاق البيئي" أو eco-anxiety، حيث يشعر الأفراد بالعجز أمام حجم المشكلة، فيلجؤون إلى الإنكار كآلية دفاعية لتخفيف القلق. وبالتالي، فالإنكار ليس دائماً دليلاً على اللامبالاة، بل أحياناً وسيلة للهروب من الإحساس بالعجز الجماعي. لماذا يصر العديد من الأشخاص على إنكار ظاهرة التغير المناخي؟ الإصرار على الإنكار يرتبط أيضا بالمصالح الاقتصادية والسياسية، خاصة في المجتمعات التي تعتمد على الصناعات الملوِّثة كمصدر رئيسي للدخل. بعض الفاعلين الاقتصاديين أو السياسيين يقومون بتمويل حملات تشكّك في العلم المناخي لتأخير الانتقال الطاقي، خوفاً من الخسائر الاقتصادية أو التغيير في نماذج الإنتاج والاستهلاك. من جهة أخرى، يرتبط الإنكار بالهوية الثقافية والسياسية؛ فبعض الأفراد يرون في الإقرار بالتغير المناخي تهديداً لقيمهم أو لطريقتهم في الحياة. دراسات سوسيولوجية في أوروبا والولايات المتحدة تشير إلى أن الإنكار أصبح أحيانا "موقفا أيديولوجيا" يُستخدم لتأكيد الانتماء إلى تيار سياسي معين، أكثر منه رفضا علميا. ما هو تأثير ذلك على المجتمع والسياسات؟ إنكار التغير المناخي يضعف قدرة المجتمعات على التكيف، لأنه يؤخر اتخاذ القرارات الحاسمة في مجالات الطاقة، الزراعة، أو التخطيط الحضري. من منظور ديموغرافي، يؤدي ذلك إلى زيادة الفجوة في القدرة على الصمود بين الفئات الاجتماعية؛ فالأكثر فقرا والأقل تعليما يصبحون أكثر عرضة للمخاطر البيئية بسبب غياب السياسات الوقائية. سياسيا، الإنكار يعرقل بناء توافق جماعي حول السياسات البيئية، ويضعف الثقة بين المواطن والدولة، كما يخلق انقسامات داخل المجتمع بين من "يؤمن بالعلم" ومن يراه أداة ضغط غربي أو نخبوية. وهذا الانقسام يعمّق هشاشة المجتمعات أمام الأزمات البيئية المقبلة. ما هي الحلول الممكنة لمواجهة هذا الإنكار؟ مواجهة الإنكار تتطلب مقاربة متعددة الأبعاد. أولاً، التربية البيئية يجب أن تصبح جزءا من المناهج التعليمية منذ الصغر، مع التركيز على الربط بين التغير المناخي والحياة اليومية للمواطن (الماء، الغذاء، الصحة، السكن). ثانياً، تبسيط الخطاب العلمي عبر وسائل الإعلام بلغات قريبة من المواطن يمكن أن يخلق وعيا تدريجيا مبنيا على الثقة وليس على التخويف. كما أن إشراك المجتمع المدني في مشاريع بيئية محلية (كالطاقة الشمسية، الزراعة المستدامة، أو حماية الغابات) يُحول الوعي إلى ممارسة. من ناحية أخرى، على الفاعلين الحكوميين تبني مبدأ الشفافية في السياسات البيئية ومحاسبة الجهات المسببة للتلوث. وأخيرا، لا بد من إعادة بناء الثقة بين العلم والمجتمع، لأن الحلول التقنية وحدها لا تكفي دون ثقة اجتماعية ومشاركة جماعية في القرار البيئي.