في ذكرى “الشحرور الأبيض”.. محمد شكري

حاتم البطيوي

 

مرت قبل أيام الذكرى الثانية والعشرون لرحيل الكاتب المغربي محمد شكري صاحب الرواية – السيرة “الخبز الحافي” التي جعلت منه إلى جانب باقي مؤلفاته كاتبا ملأ الدنيا وشغل الناس.

 

توفي شكري يوم 15 نوفمبر 2003 في المستشفى العسكري بالرباط، ودُفن في اليوم التالي بمقبرة مرشان في طنجة. وقد جمعتني به علاقة صداقة ومودة،مثل كثير من أفراد قبيلة الكتّاب والصحافيين.

 

ثمة ذكريات كثيرة معه، لعلّ إحداها تعود إلى صيف عام 2001، إن لم تخني ذاكرة الأرقام. كنا يومها ستة أنفار في منزل وزير خارجية المغرب آنذاك، الراحل محمد بن عيسى، الكائن في المدينة العتيقة بأصيلة (الكاتب محمد شكري، وعثمان العمير رئيس التحرير السابق لجريدة “الشرق الأوسط”، والكاتب التونسي الراحل حسونة المصباحي، والكاتب والمحامي المغربي الراحل بهاء الدين الطود).

 

كان الحديث بيننا شائقًا حتى وصلنا إلى موضوع مقتنيات شكري من كتب ولوحات فنية ووثائق وأقراص موسيقية وصور.خلال ذلك اللقاء تلقى شكري عرضين مهمّين؛ تحقّق الأول بينما تعذّر تحقيق الثاني.

لقد دفعته حاجته إلى المال آنذاك إلى بيع لوحة يملكها للفنان الإسباني ماريانو برتوتشي، المولود في غرناطة عام 1884 والمتوفى في تطوان عام 1955. وقد أنشأ برتوتشي في تطوان المدرسة التحضيرية للفنون الجميلة سنة 1945، وهي أول مدرسة للرسم والفنون من نوعها في المغرب قبل أن تتحول بعد الاستقلال إلى “المعهد الوطني للفنون الجميلة”.

 

اقترح الوزير بن عيسى على العمير أن يدفع لشكري مبلغ 20 ألف دولار مقابل اللوحة. فوافق على ذلك ، وطلب من أحد العاملين معه تحويل المبلغ  من حسابه المغربي إلى حساب شكري، غير أن التحويل تأخّر في الوصول . فاضطر العمير إلى إعادة تحويل المبلغ إليه ، لكن هذه المرة من حسابه المصرفي في لندن.

تلقّى شكري المبلغ، وما هي إلا أيام معدودات حتى فوجئ بتحويل آخر يصله يتضمن المبلغ ذاته .وما إن أخبر العمير بالأمر حتى قال له: «حلال عليك».

 

هكذا ابتسم الحظ لشكري، فباع لوحته للعمير بمبلغ 40 ألف دولار.

أمّا العرض الثاني فتمثّل في اقتراح الوزير بن عيسى ؛ تخصيص جناح في مكتبة الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز في أصيلة يحمل اسم “محمد شكري”، تُعرض فيه مقتنياته لحمايتها من الضياع، خاصة بعدما أسرّ شكري يومها بأنّه يخشى عليها من عبث إخوته. وقد وافق شكري مبدئيًا، غير أنّ هناك من أوعز له لاحقا بالعدول عن الفكرة التي طرحها الوزير بن عيسى، ودفعه إلى التفكير في إنشاء مؤسسة تحمل اسمه.

 

يُقال إن شكري أعدّ، وهو على فراش المرض، قانونًا أساسيًا للمؤسسة المرتقبة، وصرّح لأصدقاء مقرّبين بأنه يرغب في أن تضم المؤسسة خمسة أعضاء هم: محمد الأشعري وزير الثقافة آنذاك، وحسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي حينها، والشاعر حسن نجمي، والكاتب محمد برادة، والناقد عبد الحميد عقار.

 

بعد وفاة شكري، حاولت شخصيات نافذة حماية مقتنياته على أساس وجود وصية، فأصدرت النيابة العامة في طنجة قرارًا بتشميع بيته الواقع في الطابق الخامس والأخير من عمارة بشارع البحتري (تولستوي سابقًا). لكن أحد المحامين أفتى لإخوته بأن «لا وصية لوارث» في الإسلام، فاستطاعوا – بصفتهم الورثة الشرعيين – الحصول على ما في البيت.

 

ووفق شهادات مقربين من شكري ، فقد نقل شقيقه الأصغر عبد العزيز ، المقتنيات إلى مدينة تطوان، وباع كل الأشياء المهمة، ومنها لوحة للفنان الراحل عباس صلادي، أهداها لشكري المهندس المعماري المغربي المعروف رشيد الأندلسي ،والتي جعلها غلافا لكتابه “غواية الشحرور الأبيض “،الصادر عام 1998.وأيضاً باع كتباً تضمّ إهداءات وتوقيعات من بول بولز وتينيسي ويليامز وصموئيل بيكيت وجان جنيه وآخرين، فيما تعرّض كثيرٌ مما تبقى من الكتب والصور والمخطوطات للتلف.

 

هكذا ضاعت بعض كنوز شكري ، لكنه ظل من كتاب المغرب الخالدين ، اذ ما زالت روحه ترفرف فوق سماء طنجة ، وطيفه ما زال يطرق الأذهان في شوارعها، مثل ما زالت مقاهي المدينة ومطاعمها التي دأب على ارتيادها شاهدة على “زمن شكري” الهارب مع الماضي .

 

عن “النهار” اللبنانية

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )