تلفزيون العرايشي.. وحذاء القذافي..!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

يعود رمضان فيعود الجدل مجددا بين المغاربة عن تلفزيونهم، أو التلفزيون، لأنه في الأصل ليس تلفزيونهم، بل تلفزيون رجل يسمى فيصل العرايشي، الذي “يزطم” على الشاشة منذ 20 عاما، ولا يبدو أنه سيرفع حذاءه عنها قريبا.

في كل مرة، وخصوصا مع حلول شهر رمضان، نتذكر حكاية القذافي مع التلفزيون الليبي، حين كان الزعيم الراحل يشاهد برنامجا حواريا تلفزيونيا على المباشر، فأحس بالقرف وأرسل على عجل حارسه الخاص إلى مدير التلفزيون، وهذا المبعوث لم يكن يحمل سوى الحذاء الشخصي للزعيم، مع رسالة تقول: أوقف البرنامج فورا وضع هذا الحذاء في المكان الذي يتحدث فيه الضيوف.. !

وكذلك كان.. وظل الليبيون يتساءلون طويلا عن سر إيقاف البرنامج الحواري المباشر وظهور حذاء مكانه لساعات طويلة.. إلى أن سمعوا يوما بالحكاية.

نحن عندنا شيء مشابه، وهو أن الحذاء ليس حذاء القذافي، بل حذاء المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، فيصل العرايشي، الذي يمكن أن نقول إنه قذافي صغير، يفعل ما يحلو له في تلفزيون يموله المغاربة من جيوبهم، ورغم أنوفهم، ومصيبتنا أننا نتأمل هذا الحذاء لأزيد من عقدين.

نحن لا نطمح في هذا الشهر المبارك أن يستجيب الله لدعواتنا ويعيد إلينا تلفزيوننا السليب، ولا نطالب بالتحقيق في كعكة الإنتاجات التلفزيونية ولا شركات الإنتاج المحظوظة ولا في الأموال الخرافية التي يتم تبذيرها كل عام على إنتاجات مقرفة ولا على أشياء كثيرة.. كثيرة جدا، بل نود فقط أن نفهم أي سر في الكون يجعل هذا الرجل يتصرف في التلفزيون وكأنه وجده على قارعة الشارع، يفعل فيه ما يشاء إلى درجة أنه صار يعاقب كل من يقدم إليه النصيحة.. حتى لو كانت هذه النصائح من مهنيين أمضوا سنوات طويلة في العمل الميداني داخل التلفزيون المغربي.

لنعد إلى الرسالة التي عممها من قبل الصدّيق معنينو، حول ما جرى له مؤخرا خلال برنامج لتخليد الذكرى الستين لإنشاء التلفزيون، عندما فوجئ بأن أغلب أقواله تم حذفها، وأن البرنامج تعرض لمجزرة لمجرد أنه أدلى بكلام يمكن لأي صحافي مهني أن يقوله، مع أن ما قاله معنينو أقل بكثير من الكلام الذي يردده المغاربة باستمرار حول تلفزيونهم.. الذي يوجد حاليا تحت السيطرة الفعلية لفيصل العرايشي.

معنينو لم يطالب بأكثر من أن يكون التلفزيون مهنيا، واستغرب كيف أنه، في بداية الحرب في أوكرانيا، لم يوجد أي مراسل للتلفزيون المغربي هناك رغم وجود آلاف المغاربة في أوكرانيا كانوا يعانون الكثير..

هذه الملاحظة وملاحظات أخرى تم حذفها من البرنامج، وهذا ليس مسيئا فقط، بل إنه خطير جدا، لأنه يوجد على رأس التلفزيون المغربي شخص ويعتقد أنه “ربكم الأعلى”، وأن لا أحد في الكون يملك حق إبداء ملاحظات حول “تلفزيونه”، ومعنى هذا أن لا أحد له حق التفكير وإبداء الرأي حول التلفزيون، وهذا يقود نحو نتيجة واحدة.. وهي أن تلفزيون العرايشي صار عشا حقيقيا للبلادة والتعفن والجهل والتخلف والأمراض النفسية.. تماما مثل أي شيء يوجد في قبضة طاغية.

كنا، في زمن ما، نحلم بأن يكون للمغرب قناة على شكل قناة “الجزيرة” أو قنوات أخرى محترمة، وفي النهاية لم يعد المغاربة يأملون سوى في أن يتوقف تلفزيون العرايشي عن التقيؤ عليهم يوميا، خصوصا في شهر رمضان، الذي تحول إلى مناسبة يكتشف فيها الناس كم تفصلهم من سنوات ضوئية عن تلفزيون يحترمهم، وكيف أن هذه البلاد، الذي يتغنى الكثيرون بأنها تتغير وتتقدم، يوجد تلفزيونها في الدرك الأسفل من البلادة والتخلف، وأن البلاد التي تتقدم فعلا لا يمكن أن يكون تلفزيونها محتاجا للعلاج في “بويا عْمر”.

والرجل لم يطالب بالتحقيق في كعكة الإنتاجات التلفزيونية ولا شركات الإنتاج المحظوظة ولا في الأموال الخرافية التي يتم تبذيرها كل عام على إنتاجات مقرفة ولا على أشياء كثيرة.. كثيرة جدا.

من حسن حظ الليبيين أن حذاء القذافي لم يبق على شاشتهم سوى بضع ساعات.. ومن سوء حظنا أننا لا نزال نتأمل حذاء العرايشي على شاشتنا.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )