عبد الله الدامون damounus@yahoo.com قبل إغلاق المعبر الحدودي في سبتة، وخلال عطلة رأس السنة الميلادية، كانت الطوابير التي تنتظر دخول المدينة تستمر لساعات طويلة، وتقف مئات السيارات من كل مناطق المغرب في نظام وانتظام، وكثيرون كانوا يأكلون واقفين وهم ينتظرون دورهم لدخول المدينة وكأنهم ينتظرون فتح الأندلس. كل أولئك الذين ينتظرون دخول سبتة يحسون وكأنهم سيدخلون الفردوس، مع أنهم لا يريدون سوى التسوق من داخل المدينة بسبب التخفيضات السنوية التي تعلن عنها كل متاجر إسبانيا خلال رأس السنة. المغاربة الذين كانوا يدخلون سبتة للاستفادة من موسم التخفيضات، يتركون في صناديق المدينة أموالا كثيرة في زمن قياسي، وبفضل تلك الأموال كانت سبتة تنتعش وتستمر في الحياة. الذين يعرفون الواقع الحقيقي لسبتة مقتنعون بأن هذه المدينة لا يمكنها أن تحيا بدون مغاربة. والمهربون الصغار والكبار الذين كانوا يدخلونها بالآلاف كل صباح لجلب السلع يعرفون أكثر من غيرهم أن سبتة بدونهم صفر على الشمال، وأن الكلام الكثير الذي يردده المسؤولون الإسبان عن كون سبتة مدينة إسبانية كلام فارغ، لأن سبتة "مغربية" لأنها كانت تعيش بفضل المغرب وأموال المغاربة، وهو ما تأكد بعد إغلاق الحدود، فصارت رائحة الموت والكساد تفوح من داخل المدينة كما تفوح رائحة الجيف. ليس المهربون والمتسوقون المغاربة هم فقط من كانوا يمنحون الحياة لسبتة، بل أيضا الكثير من مهربي الأموال الذين يهربون العملة الصعبة من المغرب نحو هذه المدينة، وأيضا الكثير من أموال المراهنات الكروية التي يمارسها المدمنون على هذه الألعاب بعدد من مدن الشمال، والتي تقدر بملايين الدولارات كل عام، وأيضا الكثير من المرضى الذين يقصدون مستشفيات المدينة وصيدلياتها. ففي هذه المدينة إيجابيات أيضا، وهي أن الدواء يباع بها أرخص بعشر مرات من أسعار الدواء بالمغرب، ومستشفياتها أفضل بكثير من مستشفياتنا. سبتة لم تكن تعيش فقط بالمال المغربي، بل بالماء المغربي أيضا، لأن المغرب، الذي يعتبر سبتة مدينة محتلة، يمنحها الماء لكي تشرب، وأيضا يمنحها الكثير من الخبز لكي تأكل، وفي عيد الأضحى يستورد سكان سبتة المسلمون الكثير من الأكباش من المغرب. المغرب كان يمنح الحياة لسبتة، وسبتة كانت تمنح الموت للمغرب، سواء عبر السلع الفاسدة التي تقتل، أو عبر موت نساء مهربات وبائسات رفسا بالأقدام بسبب الزحام في النقطة الحدودية، أو عبر موت مهاجرين سريين يريدون أن يصلوها بحرا، أو عبر الكميات الكبيرة من مخدر الهيروين الذي يأتي منها ويوزع في مختلف مدن المغرب، وخصوصا نحو مدن الشمال، والذي حول الكثير من شباب المنطقة إلى أشباح أحياء. سبتة كانت أيضا تعبير عن مهانة توجه إلى المغاربة باستمرار. وعندما زارها الملك خوان كارلوس قبل سنوات فإن المسؤولين المغاربة احتجوا وصرخوا ثم صمتوا، وقبل ذلك أُسر فيها جنود مغاربة تم احتجازهم في جزيرة "المعدنوس" (ليلى) من طرف قوات إسبانية خاصة صيف 2002 على بعد شبر من البر المغربي، وهي أيضا مهانة للمغرب لأنه البلد الوحيد في إفريقيا الذي لا تزال عدد من مناطقه محتلة من طرف دولة أوروبية. وفي كل الأحوال فإن سبتة لم تكن مدينة استثنائية، وكل مقوماتها أنها مدينة نظيفة وتكنس كل صباح، وكثير من التطوانيين يسمونها "تطوان مشطّبة". وخلال الفيضانات التي تُغرق مدن الشمال، فإن المطر ينزل مهذبا وأنيقا على سبتة. إنه ينزل من السماء مدرارا ويتجمع بسرعة لكنه يتوجه بهدوء نحو القنوات ويمر الناس والسيارات بلا مشاكل، في الوقت الذي تغرق فيه مدن مغربية مجاورة لسبتة في نفس الأمطار ويغير الناس أحذيتهم ثلاث مرات في اليوم. سبتة ليست مدينة محتلة، إنها فقط مدينة إسبانية بالوهم، لأنها تعيش بالمال المغربي والماء المغربي والخبز المغربي، ولو أن المغاربة أرادوا استرجاعها عندما اكتسحها الآلاف من الشباب في ماي الماضي، لانتهي الاحتلال.