تونس وكولومبيا.. وسفراء “باك صاحبي”..!

المساء اليوم – ع. الدامون:

حدث ذلك في وقت شبه متزامن، فبعد أيام قليلة من عودة كولومبيا إلى الاعتراف بالبوليساريو، استقبل رئيس تونس زعيم هذه الجبهة، لكننا أفرغنا كل غضبنا على تونس، ونسينا، أو تناسينا كولومبيا، ومعها هفواتنا الدبلوماسية بشكل عام والطابع المجاملاتي للكثير من سفاراتنا في العالم.

لكن أحيانا قد لا تنفع السفارات كثيرا في تغيير مجرى بعض الأحداث، فما فعله الرئيس التونسي يمكن اعتباره، ليس خطيئة فقط في حق المغرب، بل في حق تونس أيضا، لأنه من الصعب على التونسيين أن يروا رئيسا خرج من صناديق الاقتراع، في لحظة غفلة، وهو يبيع البلاد بالجملة والتقسيط لمن يدفع أكثر.

وهناك مسألة أخرى على قدر كبير من الأهمية، وهي أن قيس سعيد، الذي يعاني من مشاكل داخلية مزمنة مع التونسيين أنفسهم، استطاع الخروج من ذلك بأعجوبة، ولو مؤقتا، بفعل الأزمة التي اختلقها مع المغرب، وأطال عمره السياسي داخليا، بفعل الأزمة التي اختلقها خارجيا.

لكن، وفي كل الأحوال، ينبغي أن ننظر إلى ما يجري ببعض الهدوء والعقلانية، ونركز أيضا على ما حدث في كولومبيا، بسبب تراخي دبلوماسي غير مقبول، واعتماد سفيرات وسفراء من باب المجاملة فقط، أو من باب دبلوماسية الريع.

أحيانا تكون اللعبة السياسية الدولية أكبر من السفراء وأكبر حتى من الحكومات، لكن هذا لا ينفي أن المغرب تهاون كثيرا على المستوى الدبلوماسي في العقود الأخيرة حين غاب بشكل شبه تام عن أمريكا اللاتينية وترك الساحة فارغة بالكامل للجزائر والبوليساريو، وعندما بدأ بالانفتاح عليها لم يكن اختيار السفراء صائبا، إلا في استثناءات قليلة جدا.

نفس الشيء حدث في بلدان كثيرة أخرى، حيث يتم بعث سفراء من باب المجاملة أو المكافأة، بينما منصب السفير على قدر كبير من الأهمية والخطورة، لذلك قد نحتاج إلى سنوات ضوئية لنفهم كيف يتم اعتماد سفير لا يتقن لغة البلد المعين فيه، أو سفراء يعتبرون السفارات مكاتب مجانية لهم لممارسة التجارة وعقد الصفقات.

ينبغي على المغرب أن يتوقف عن اعتبار سفاراته في الخارج أمكنة لتصريف المجاملات والمناصب، وتحويلها إلى مقرات حقيقية للعمل الدبلوماسي الجاد والواقعي، وتعيين سفراء من منطق الكفاءة والقوة والحزم، وليس بمنطق “باك صاحبي”، فما تمر به البلاد لم يعد يتحمل هذا العبث.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 1 )

  1. احمد الاحمد :

    مقال ممتاز دمتم في تالق

    0