هل أصبح المغاربة عبئاً على حكومتهم؟

المساء اليوم – حسنية أسقال:

تقرير المندوبية السامية بشأن “التحاق 3 ملايين و200 ألف مغربية ومغربي إضافي بلائحة الفقر والهشاشة” بسبب جائحة كوفيد-19، هو بمثابة إقرار رسمي باتساع هوّة الفوارق الاجتماعية في بلادنا زادها الارتفاع المهول لأسعار المحروقات والمواد الغذائية الأساسية سوءاً وقتامة، كما أن عدم خروج الحوار الاجتماعي الذي كان بين المركزيات النقابية والحكومة بأي نتائج ملموسة زاد الطين بلة.

تقرير المندوبية السامية صادم ومخيف، وينذر بكارثة اجتماعية نتيجة احتقان شعبي حاضر منذ مدة، وحذرت منه نقابات وجمعيات عديدة، كنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي حذرت حكومة أخنوش من حصول اضطراب اجتماعي بسبب الغلاء الفاحش في أسعار المواد الأساسية منذ توليه منصب رئاسة الحكومة…

واعتبرت استمرار ارتفاع أسعار المواد الأساسية تهديداً للسلم والأمن الاجتماعي في البلاد في ظل عدم تدخل الحكومة لايجاد الحلول الممكنة للخروج من هذا الوضع، ولاسيما أسعار المحروقات التي تسببت في ارتفاع تكاليف النقل مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية..

الأسر المغربية تعاني في صمت وتعمل على تدبير قوتها اليومي بعناء ومشقة، و”الفاعل الحكومي” شبه غائب وصامت كلياً منذ توليه، إلاّ حين بدأ المغاربة بالاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة سلمية وحضارية من خلال هشتاغات أخرجت الحكومة عن “صمتها الطويل المتعمد”..

ليبدأ التقليل من أهمية هاشتاغات مثل #7dh_Gazoil و#8dh_Essence #أخنوش ارحل، ووصف متداوليه بـ”الحسابات المزيفة” وأحيانا بـ”المرضى”، وشطحات البعض الآخر بأنه من عمل أياد خارجية تُريد سوءاً بالمغرب والمغاربة، تصريحات لا يسع المواطن المغربي معها إلاَّ أن يفتح فاهه دهشة من “ذكاء وفطنة” سياسينا، الذين يتفتق ذكائهم أحيانا على “نظريات مؤمراتية” فريدة، تُبخس حق المغاربة كـ”شعب يملك من الوعي السياسي ما يفوق وعي سياسييه وبرلمانييه”..

فأن يكون التخوين والتشكيك نصيب كل من يشتكي أو ينتقد عبر “هشتاغ” بطريقة سلمية وحضارية، فالأمر غريب ومُدهش..

الخطاب السياسي والإعلامي المُتعمّد من “حكوماتنا” منذ سنوات هو إقناع المغاربة بأنهم هم المشكلة، والإيحاء بأنه لن تكونَ هناك حلول للأزمة الاقتصادية التي يعيشُها المغرب منذ فترة ليست بالهينة، وازددت سؤاء في المرحلة الآنية..

فهل أصبح المغاربة عبئاً على حكوماتهم؟… ولماذا كل هذا التحامل على الهشتاغ بدل البحث عن معالجة دوافعه؟..

الحكومة بناطقها ووزرائها و”مسانديها الرسميين” و”غير الرسميين” بدؤوا حملة دفاع، دون هوادة عن “منجزاتها الخارقة” من خلال تضخيم الأرقام وتسويق الإنجازات.. ورمي اتهامات التخوين والتشكيك.. والدعاء لـ”مروجيها المرضى” بالشفاء!.. ليأتي تقرير المندوبية السامية الأخير ويؤكد بشكل رسمي معاناة المغاربة اليومية مع قوت يومهم..

المغاربة يُطالبون حكومتهم بالإنصات والتجاوب والعمل.. لا التجاهل والصمت “القاتل” و”التخوين”..

الفريق الحكومي الذي ركن إلى الصمت منذ وصوله “الرئاسة”.. لم يُحرك ساكنا إزاء احتجاجات المغاربة و”أنينهم” اليومي من لهيب الأسعار المُتصاعد منذ شهور .. لكنه تجند بين ليلة وضحاها حين أصبح “الهشتاغ” متداولا على منصات التواصل وحديث وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية..

المغاربة يطالبون حكومتهم بمناقشة مشكلاتهم الحقيقية، ويكونوا على علم بها أكثر من غيرهم، لا أن يتعالوا على الناس، غير آبهين بمعاناتهم، هذا إن كانوا يعرفون بوجودها حتى..

فمن يعيش ببذخ ويسمح له راتبه بعيش كريم ليس عليه أن يطالب المغاربة بالتقشُّف… فمقولة “حتى حد ما كيبات بلا عشا” لم تعد تجدي..

لأن هناك من المغاربة من ينام من دون عشاء وأحيانا دون غذاء، ليس فقط بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن من قبلها وبكثير..

وعلى هؤلاء المسؤولين و”مسانديهم” إدارك أن هناك مغاربة، وما أكثرهم في الفترة الحالية، لا يستطيعون توفير احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب وعلاج..

رد فعل الحكومة يُعطي انطباعا بأنه على الطبقات الدُنيا تحديدًا أن تتأقلم مع الغلاء وتصمت.. وإلاّ فإن التخوين والتشكيك سيكون نتيجة كُل ما قد يصدر عن المغاربة “القاصرين” في نظر “حكوماتهم”، والذين ينساقون “دون تفكير” وراء “حملات مُغرضة” يقودها “أعداء الوطن”..

كما أن ربط شخص رئيس الحكومة مهما كان اسمه، بأنه المغرب وأمن المغرب واستقرار المغرب، ورفض أي انتقاد أو ملاحظة له ولفريقه الحكومي.. خطأ سياسي كبير..

فاستياء الناس واحتجاجهم سببه عدم قدرتهم على تحمُّل غلاء الأسعار التي أثقل كاهلهم.. فأول موجة استياء شعبي وصلت منصات التواصل الاجتماعي مع تخفيف تدابير جائحة “كوفيد-19” وكانت تدعو المسؤولين للتجاوب..

ليأتيَ رد الحكومة على منوال سابقتها، سوى التحذير من المزيد من الغلاء والأوضاع الصعبة التي ستلاحقنا، ليلقوا بعدها باللوم على الحرب الروسية الأوكرانية، التي تؤثر في كوكب الأرض من أقصاه إلى أدناه، فلماذا لا تؤثر على المغرب؟!..

إذ يبدو أن هناك اعتقادا راسخا لدى حكومتنا أن ما يضربه الغلاء هو “رفاهيات يمكن الاستغناء عنها”، وهو ما يُردده الوزراء والبرلمانيون، حين يصرحون لوسائل إعلامهم قائلين إن الغلاء مس “جيوبهم” أيضاَ!!.. ولا نعرف عن أية جيوب يتحدثون؟!..

لكن الحقيقة أن الغلاء في المغرب طال المغربي البسيط، وما أكثرهم، طال أساسياته التي كانت توصف بـ”الغذاء المواطن البسيط”، كالخبز والزيت والسكر والشاي والقطاني والحبوب، ولم يعد هؤلاء “البسطاء” قادرين على شرائها..

المغاربة عليهم أن يتحمّلوا التخلي عن كل السلع التي يصيبها غلاء الأسعار، بينما لا تتحمل الحكومة سماع انتقاداتهم وصريخهم والاكتفاء بمناقشة مشكلات “تافهة”..

الحكومة تُشعرك أنك عبء عليها، لأنك تريد أن تأكل وتشرب وتتعالج..

وكأنّ تلك الطبقة الواسعة التي تئن يُلقَى بها طي النسيان، ولا أحد يريدُ لها أن تظهرَ، أو أن تتكلم.. كأنها لم تعد موجودة من الأساس..

فحين تحتج على الارتفاع الصاروخي في أسعار المحروقات يأتيك الرّد.. بأنه ارتفاع عالمي يطال الجميع.. وكأن كل المغاربة يمتلكون سيارات فارهة تستطيع تحمل هذا الغلاء..

وأن كل المغاربة مسؤولون حكوميون أو محليون أو موظفون لهم مجموعة من الامتيازات والتعويضات كـ”سيارات حكومية” تتحمل الدولة نفقاتها من تأمين وصيانة ووقود وأحيانا حتى أجرة سائقيها..

إظهار الشعب كصانع مشكلات لا يريد تحمُّل المسؤولية، وإلقاء اللوم على كل من انتقد بطريقة سلمية وحضارية يحز في النفس.. وجانب أكثر قتامة لـ”مسؤولي حكومتنا”..

فالحكومة بوزراء ومستشاريها ونواب برلمانها يتقاضون الملايين شهريًا، ولا يحتكون بـ”المغاربة البسطاء” الحقيقيين وأوضاعهم ولا يشعرون بهم..

يطالبون الناس بالتقشف وترشيد الإنفاق، ولا يطيقون تطبيق ذلك على أنفسهم، فأغلبهم راكم ثروات وأعمال ومصالح على مدى سنوات..

إذ لا يتسق أبداً المشهد مع الحديث الذي يلوم الناس ويطالبهم بالتخلي عن الأساسيات..

أموالهم لم تزدهم سوى انفصالًا عن الواقع ونسيانًا لأحوال المواطن المغربي البسيط التي يجب أن يناقشوا كيفية معالجة مشاكله، طبقًا لأبسط الحقوق.. وإن كان من خلال هاشتاغ اتفقت معه أو لا..

في الوقت الذي كان المغاربة يتطلعون لتحسين مستواهم المعيشي، أصبحنا اليوم نعد ملايين الأفراد والأسر التي صارت تنضاف لخط الفقر 3.2 مليون شخص في 2022..

كما أن تقرير المندوبية تزامن مع الدعوات التي أطلقتها فعاليات حقوقية ونقابية للخروج في وقفات احتجاجية بعدد من المدن المغربية، ابتداء من الـ17 أكتوبر الجاري، الذي يُصادف اليوم الدولي للقضاء على الفقر..

لا نستطيع أن نخفي “الشمس بغربال التخوين والتشكيك”..

ولا بد من الإنصات بدل الطعن في مصداقية وعي المغاربة وأفعالهم..

إذ لا يُعقل أن يكون كل رد فعل للشارع المغربي “مُغرض وعدائي” وورائه “جهة تريد بالبلد سوءاً”..

إنه صرخة الملايين من المغاربة الذي يحاولون إيصال صوتهم للمسؤولين..

احتقان شعبي وعفوي ضد اللامبالاة وغياب العدالة الاجتماعية وتغول اللوبيات الاحتكارية والانتهازية..

ودعوة لانتشال الملايين من حالة اليأس والانهزام التي أصابتهم منذ مدة في ظل حكومة صامتة..

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )