عبد الله الدامون damounus@yahoo.com عندما قام مهاجر مغربي مختل بمهاجمة كنيستين في جنوب إسبانيا وقتل راهبا.. فإن ذلك لم يكن ليثير الكثير من الشكوك حول أمرين، الأول أن الرجل يعاني فعلا من اضطرابات عقلية منذ سنوات وأنه كان مهددا بالرحيل من البلاد، والثاني أن الفكر الذي خلق هذا النوع من الأشخاص يكاد ينمحي في تربته الأصلية في المشرق، بينما لا يزال ضحاياه في كل مكان. لكن الأسوأ حدث بعد ذلك، فوسائل الإعلام الإسبانية لم تتحدث عن الخلل العقلي للقاتل، بل قدمته على أنه "مسلم".. ونادرا ما وصفوه بأنه مسلم متطرف، وكأنهم يريدون أن يجعلوا منه نموذجا للمسلم العادي، الذي يمكن أن يقتل أي أحد في أي وقت وبلا أدنى سبب.. ثم يصرخ "الله أكبر". المثير أن وسائل الإعلام الإسبانية، بصحفها وإذاعاتها وقنواتها التلفزيونية، مع استثناءات قليلة جدا، ظلت تطارد القاتل وتربطه بالإسلام، وهناك صحفيون إسبان ذهبوا حتى قرية القاتل في بليونش قرب سبتة، وتوحدت صحف اليمين واليسار في ربط المختل العقلي بالإسلام أكثر من أي مسلم آخر في العالم. هناك أيضا نقطة مثيرة، ومضحكة في آن، فقد أصبح اسم القاتل، ياسين قنجاع، يتردد أكثر من اسم الحارس ياسين بونو، وبعض الصحف صارت تكتب ياسين بحروف غليظة، وكأن الإسبان أرادوا أن ينسوا بسرعة ياسين الذي أهانهم في مونديال قطر، ويتذكروا فقط ياسين الذي قتل الراهب! المونديال أيضا يذكرنا بعقلية غريبة للإسبان في تعاملهم مع ما هو مغربي. فخلال مباراة المغرب وإسبانيا، كان المذيع يردد باستمرار عبارة "المغاربة يسرقون.. ثم يهربون" (roban y salen corriendo) وهي عبارة تعني من الناحية الكروية، ربما، أن اللاعبين المغاربة يخطفون الكرة من اللاعبين الإسبان ثم يهاجمون بسرعة، لكن العبارة بالإسبانية تحمل الكثير من العقد العنصرية والتاريخية. نفس العبارة تكررت خلال مباراة المغرب والبرتغال، وخلالها أضاف المذيع تعليقا يقول بأن العبارة بريئة، وكأنه يطلب من الناس الانتباه إلى معناها غير البريء..! قد لا يكون الإسبان، أو جزء كبير منهم على الأقل، في حاجة إلى حوادث مماثلة لكي يصبحوا أكثر عنصرية، فالعنصرية في إسبانيا تتغذى على أي شيء يتحرك، وعندما لا تجد الكثير فإنها تعود إلى زمن الأندلس، رغم أن الأندلسيين كانوا أوروبيين أقحاح، ومع ذلك فإن زعيم حزب vox المتطرف بدأ أول خطاب رسمي له بعد إنشائه بالحديث عن الأندلس، رغم كل النور الذي كانت تعيش فيه شبه الجزيرة الإيبيرية في ذلك الزمن! ومن المثير أن نعرف أن الحارس ياسين بونو يتحدر من الأندلسيين المشتتين في زمن محاكم التفتيش.. ولا تزال الكثير من الأسر الإسبانية تحمل اسم Bono, خصوصا في مدريد والنواحي. لقد صنعت إسبانيا وحدتها بفضل المغرب.. فقد كان "خطره" كفيلا بتوحيد الممالك المتحاربة في شبه الجزيرة الإيبيرية، لكن خطر التفكك الذي يهدد إسبانيا اليوم قد يكون أكبر، لذلك فإن البلاد ستظل في حاجة ماسة لأشخاص مثل مهاجم الكنائس، وسيظل عدوها الأبرز شخصا مثل الحارس بونو، فالعقد التاريخية التي تتحكم في عقلية جيراننا الشماليين تجعل من الصعب أن يتقبلوا بلدا قويا ومتحضرا يمكن أن ينافسهم أو يتفوق عليهم يوما على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق، لذلك يهمهم أن يكون بيننا نماذج أكثر من ياسين المختل عوض ياسين الحارس! السؤال هو: هل هناك عقلاء؟! أكيد هناك عقلاء.. لكنهم يتناقصون يوما بعد آخر.