عبد الله الدامون damounus@yahoo.com روسيا تصرفت مع أوكرانيا كما لو أنها زوجة خائنة. مثل حكاية زوج عاد إلى منزله فوجد زوجته في حضن رجل غريب، ولكم أن تتصوروا النهاية. في هذه الحالة فإن الغريب هو الأميركي، عاشق هرب بمجرد أن تم ضبطه، وترك عشيقته تلقى مصيرها على يد زوجها. هذا ما تفعله أميركا، ومعها دول حلف الناتو مع الغزو الروسي لأوكرانيا، لقد تركت البلاد وحيدة أمام دب كاسر، دب يشبه ذلك الذي شاهدناه في الفيلم الشهير "العائد"، لن يرحل إلا بعد أن يترك فريسته أشلاء، أو على أعتاب الموت. من سوء حظ أوكرانيا أنها بلد بشعب طيب وساسة أغبياء. فروسيا كانت دائما مهووسة بالجغرافيا، ويمكن أن تفجر حربا عالمية بسبب شبر أرض، ويكفي تأمل خارطتها المترامية الأطراف لإدراك كيف أن الدب الروسي يعرف جيدا كيف يوسع حقله الكبير باستمرار، وكل البلدان المجاورة لروسيا نالت نصيبها من الهوس الروسي، وهذا شيء لا تلام عليه روسيا، فحتى الولايات المتحدة الأمريكية قلدت روسيا في هوسها الجغرافي، والتهمت أجزاء شاسعة من المكسيك، واشترت "ألاسكا" من روسيا في فترة ضعف الدب الروسي، وهو قرار يعض عليه الروس أصابع الندم الآن. لا تهم طبيعة النظام في روسيا، فهي تتصرف بعقلية إمبراطورية قيصرية، لكن كان بإمكان السياسيين الأوكرانيين أم يكونوا أكثر ذكاء، أو أقل غباء على الأرجح، لكي يهدئوا من روع الدب، ويبتعدوا عن أحلام الحلف الأطلسي ويلعبوا على حبل التوازن، وأن يقدموا حكما ذاتيا لعدد من مناطقهم، كما هو معمول به في بلدان كثيرة. الساسة الأوكرانيون، وكلهم عاشوا في كنف الاتحاد السوفياتي، يعرفون جيدا أن بلادهم عاشت عقودا طويلة في حضن الاتحاد السوفياتي، وأنه من الصعب على الروس اعتبارها دولة مستقلة، فكيف أن تنضم للحلف الأطلسي وتنصب على أراضيها صواريخ فوق رؤوس الروس، وإذا كان الروس سيقبلون بذلك فلماذا لم يقبل الأميركيون نصب صواريخ سوفياتية في كوبا في ستينيات القرن الماضي، حيث كانت واشنطن مستعدة لتفجير حرب عالمية بسبب ذلك. أسوأ ما في الموضوع الأوكراني ليس غباء الساسة فقط، بل غدر أولئك الذين جعلوا الأوكرانيين يتوهمون أنهم محميون من طرف الغرب. ويبدو أن التجربة القصيرة للأوكرانيين في أحضان الغرب جعلتهم لا يدركون أن الغرب لا يحمي سوى مصالحه، وأنه مستعد لبيع أصدقائه وأعدائه في سوق النخاسة من أجل مصالحه. الغرب يستقوي على الضعفاء لأنه متيقن من هزيمتهم، بينما ظل يتفرج على الغزو الروسي مثل أي أطرش في الزفة. وعندما كانت الطائرات والصواريخ الروسية تدك المطارات والرادارت ومنصات الصواريخ الأوكرانية وغيرها، كان المسؤولون الأميركيون والغربيون يشبهون العرب تماما.. لقد استمروا يدينون ويستنكرون ويتوعدون، بينما روسيا تتصرف وكأنها القطب الأوحد الجديد في العالم، وحتى لو لم تكن كذلك فإن على واشنطن أن تنسى اليوم أنها القوة المطلقة في العالم. فالغزو الروسي لأوكرانيا أثبت معادلة جديدة. لقد تغير النظام الدولي، ليس بأمر من واشنطن هذه المرة، بل بأوامر مباشرة من موسكو. الآن، لا يجب على الأوكرانيين أن يحسوا بالقهر، بل على الأميركيين أن يحسوا بالعار، لأنهم دفعوا كييف دفعا إلى التعلق بأهداب الحلف الأطلسي، وعند أول اختبار تركوها تغرق وتتمزق، ولن تتعافى أوكرانيا من صدمتها قبل عقود من الزمن. لكن ما يجري الآن يذكرنا بشيء عشناه قبل عقدين فقط، حين أطلق الساسة الأميركيون وأتباعهم في أوربا أكاذيب كثيرة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وحولوا صدام حسين إلى هتلر جديد، وقالوا إن الرجل بتوفر على مدافع وأسلحة لم يسمع بها إنس ولا جان، وربطوا العراق بتنظيم القاعدة وجعلوا من صدام صديقا حميما لأسامة بن لادن، ثم دمروا العراق تدميرا، وفي النهاية اكتشف العالم أن كل ما جرى أكذوبة كبيرة لتدمير بلد عنيد، وتم زجه في نفق من الحروب الأهلية والطائفية، نفق لن يخرج منه قريبا، ثم استمر النموذج العراقي مع بلدان عربية كثيرة. لقد اختلقت أميركا وحلفاؤها أكاذيب خرافية لتدمير العراق، ولم يستطيعوا رفع سبابتهم أمام الدمار الشامل والحقيقي الذي تمارسه روسيا. الغزو الروسي ضربة قاصمة للنفاق العالمي وبداية لرسم معالم لعبة أمم جديدة.