المساء اليوم: في الوقت الذي تتواصل فيه عربدة المضربين في مجال التعليم، كان من اللازم أن يظهر خطاب صريح وصادق يقول الأشياء كما هي لكي يمسح بعض أدران الخطاب المنافق الذي ينام على "هيضورة" مقولة "كاد الأستاذ أن يكون..." وأساطير أخرى. ورغم أن هذا الكلام الصريح تأخر كثيرا، إلا أنه ظهر أخيرا، فأن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا. ومؤخرا دعا نور الدين عكوري، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، إلى إيقاف الأساتذة المضربين عن العمل منذ أشهر، أو عزلهم نهائيا من الوظيفة العمومية بسبب الضرر الكبير الذي ألحقوه بملايين التلاميذ وبالمدرسة العمومية. وقال عكوري في تصريحات صحفية إن “الإعلان عن إضرابات جديدة، ووصول التّصعيد إلى هذا المنحى، لا يجعل تمديد الموسم الدّراسي سيناريو فقط، بل حاجة أساسية أمام الزّمن الدراسي الذي تم هدره”، مؤكدا أن “الأساتذة المضربين عليهم أن يتحمّلوا مسؤوليتهم بعدما اتضح أنهم يرهنون مصير ملايين التّلاميذ في مختلف ربوع المملكة”. مثل هذا الكلام لم يعجب كثيرين، والذين لا يعجبهم هذا الكلام هم أحد الطرفين، إما مضرب استحلى هذه العطلة القياسية ورمى مصير ملايين التلاميذ في برميل القمامة، أو منافق يهادن نقابات إجرامية من أجل مصالح عينية أو مادية. لا أحد يعارض الإضراب لأنه حق دستوري، ولا أحد يعارض المطالب المادية والمعنوية لقطاع من القطاعات لأن الحراك الاجتماعي أساسي لتحسين ظروف العيش وتقدم المجتمعات، لكن ما يجرى في قطاع التعليم لا علاقة له بكل هذا، إنا ما جرى ويجري جريمة كاملة الأوصاف تقترفها نقابات إجرامية وخلفها معربدون وليسوا مضربين. هذا بالضبط ما أوضحه رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ الذي قال إن “الجميع كان يناصر المطالب المشروعة للأساتذة، لكن هناك تراتبية في الحقوق، والمصلحة الفضلى للتلاميذ، وحقوقهم أسمى من أي اعتبار”، وتابع بأن “الاقتطاعات لم تعد كافية أمام هذا التسلط الذي صار يغامر بالنظام التعليمي بكامله”، وزاد: “الأساتذة يقولون إنهم يدافعون عن المدرسة العموميّة، لكن المدرسة الخصوصية الآن هي التي تنتصر أمام تراجع العرض التعليمي العمومي”. وأضاف رئيس الفيدرالية بأن “على الوزارة أن تفكر في تفعيل قانون الوظيفة في حق من تخلف عن العمل ولم يسمح باستمرار المرفق العام”، مستطردا: “النّداء كان هو العودة إلى طاولة الحوار، لكن حين عادت الوزارة صارت التنسيقيات ترفض المخرجات، وبالتالي تواصل إنهاك مسار المتعلمين”، وزاد أن “على الوزارة تحمل المسؤولية واتخاذ الإجراءات القانونيّة في حقّ من تخلفوا عن العمل منذ بداية الموسم الدراسي، من قبيل الإيقاف عن العمل وحتى العزل النّهائي”. وأضاف عموري “اليوم صرنا على أعتاب سنة بيضاء، لاسيما في هذه الفترة، وبالتالي يجب جر الموسم الدراسي إلى برّ الأمان لإتمام أهم ما يوجد في المقرر، خصوصا بالنّسبة للذين لديهم امتحانات إشهاديّة، لأن هذا مصير المدرسة العمومية، وبالتالي مصير بلد بكامله”، وتابع: “هذا الوضع الذي مازال يخبرنا بالمزيد من الإضرابات على ما يبدو هو إشكال بنيوي لا بد أن نتعامل معه بسرعة، وعلى الحكومة أن تخرج بتوضيحات عاجلة لمصير التلاميذ”. نتمنى أن تتوفر هذه الشجاعة في أشخاص آخرين لكي يصفوا الأشياء كما هي، وليس الانخراط في جوقة النفاق ومحاباة المعربدين الذين صاروا ينفذون أجندة غامضة تهدف إلى ضرب الأمن الاجتماعي للبلاد.