“دار النسا”.. مسلسل لإنصاف المرأة.. فهل نجح فعلا في ذلك..!؟

سميرة مغداد

يعرض منذ بداية رمضان مسلسل “دار النسا”، الذي يتابعه المغاربة بغير قليل من الاستغراب، فهو يطرح قصة حاولت كاتبتي السيناريو، نورا وسامية، أن يكون إلى جانب المرأة ويعزز مكانتها في المجتمع ضمن قصة متخيلة تدور في فضاءات طنجة، وبالتحديد في حي القصبة.

القصة تحكي أزمة أم مع ابنتها بعدما اكتشفت أن زوجها يعتدى على ابنتها اليتيمة الأب، حيث خلال المواجهة بمعية والدتها وصديقتها يسقط الزوج ويموت، فتقرر دفنه باحدى الأراضي الخالية قبل أن تنقل الجثة للبيت، مما قد يعيد للأذهان جريمة مشهورة في طنجة منذ الثمانينات، والتي ارتبطت بالصحافة الشهير سامي الجاي، الذي تسبب في موت زوجته وقرر دفنها في حوض نباتات بمنزله لسنين طويلة، قبل أن يكشف أمره.

بعدها تلتها جريمة أخرى كشفت أواخر التسعينات في حي البرانص في نفس المدينة، حين وجد زوج آخر نفسه أمام جثة زوجته الهامدة إثر خلاف بينهما وسقوطها ميتة، فاضطر لدفنها تحت أدراج البيت.

لكن جريمة” دار النسا” قدمت في قالب نسائي محض، لأن الضحية هنا هو الرجل الذي سقط ميتا إثر شجار حاد مع الزوجة “أمينة نورا الصقلي”، بعدما اكتشفت أنه كان يعتدي جنسيا على ابنتها من زواج سابق.

فكرة المسلسل جريئة وتكرس مبدأ المساواة، ويبدو أن ثمة وعي تام بالموضوع لأن كتاب السيناريو هم أساسا نورا الصقلي وسامية أقريو، إلى جانب زميلهم جواد الحلو.

أحداث القصة كلها في طنجة، وبالرغم من قتامة الموضوع، قدم المسلسل على طبق مزخرف بألوان الحياة المغربية؛ يروم بذلك تسويق جمالية الفضاءات القديمة بحي القصبة والحرص على إبراز أصالة اللهجة الطنجاوية وفن العيش المغربي عموما في شمال المغرب.

ومعروف عن اقريو هذا الاحتفاء بانتمائها إلى شمال المغرب منذ مسرحية “بنات للا منانة”، التي تحولت إلى مسلسل “بنات للا منانة”، ثم اليوم” دار النسا” الذي تجاوزت فيه التمثيل والكتابة إلى الاخراج التلفزي من البداية للنهاية، وهو طموح مشروع لممثلة مغربية مثقفة تبحث عن التطور والتميز.
يحسب للمسلسل احتفاله بالتراث وفن العيش في جهة معينة من المغرب، وهي طنجة، المدينة التي حضنت وتحضن كثيرا من الثقافات و تزخر بالجمال. في نفس الوقت قدم محتوى اجتماعي لايخلو من الجدية حينما تطرق لقضية الاعتداء على المحارم، وأيضا حين لفت المسلسل الانتباه لما يروج في المدينة عن تجار المخدرات وتوريط شباب تلاميذ حتى في هذه التجارة المحظورة؛ وأيضا ظهور زوج إحدى صديقات” أمينة”، التي تجسد دورها الممثلة ابتسام العروسي، حيث زوجها “البزناس” يقبع في السجن ولا يزال يحرك تجارته في المدينة رغم أنه سجين.

إنها جرأة تحسب للكتاب والمخرجة، كما أنه لحد الآن هناك تصاعد درامي منطقي للأحداث حينما نكشف أن ابن أمينة الأصغر هو نفسه ابن ابنتها التي حملت من زوج أمها.. ثمة جرعة قاسية من الجرأة خدشت إلى حد كبير سحر فضاءات طنجة وتفاصيلها الملونة بالحياة الراقية في المسلسل.

لكن مايعاب على “دار النسا” هو الظهور الفلكلوري لبعض الشخصيات أحيانا وكأنها تخرج من بطاقات سياحية بشكل تجاوز المطلوب في السيرورة الدرامية، لتصبح الشخصيات أحيانا جزءا من الديكور، الأمر الذي قد يفرغها من حمولتها الفنية والإنسانية. على العموم سامية ونورا نموذجان متميزان في عالم الكتابة الدرامية، واليوم تجتهدان وفق وعي تام بدور المرأة ومساهمتها في تطوير المجتمع في إطار المساواة أو على الأقل الشراكة الحقيقية التي هي مطلب ضروري.  كما أنهما معا قدما نموذجا للصداقة والوفاء والتواطؤ الفني ويستحقان التشجيع والتصفيق لمزيد من العطاء وتقديم أعمال أخرى ترسخ لتمغربيت وقيم المواطنة الحقيقية التي هي أساس كل إبداع مغربي محتمل.

نصفق أيضا لمريم الزعيمي على دور “الجازية” المرأة الفضولية الصاخبة، وكذلك لفاطمة الزهراء قنبوع التي تحملت وزر شخصية مضطربة مركبة مهزوزة بشكل لايختلف حوله اثنان. كما اكتشفنا من خلال المسلسل عدد ا من الممثلين الشباب الذين يعدون بمواهب متميزة في المستقبل.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )