سواء ردت أو لم ترد.. معضلة إسرائيل أكبر بكثير..!

المساء اليوم – هيأة التحرير:

بعد أيام من “حفل المسيرات الإيرانية” في سماء إسرائيل، لا تزال تل أبيب تهدد بالرد، والحقيقة أنها سواء ردت أو لم ترد، فإن معضلتها أكبر بكثير من ذلك. فمشكلة إسرائيل مع نفسها وليس مع الآخرين.

من الممكن أن تكون إيران أطلقت أسوأ ما عندها من مسيرات وصواريخ، ويمكن أنها أخبرت العالم كله، بما فيها تل أبيب، بموعد انطلاق ووصول المسيرات، لكن كل ذلك لا ينفي شيئا غاية في الأهمية وهي أن إسرائيل فقدت عذريتها العسكرية للمرة الثانية في 6 أشهر، الأولى مع طوفان الأقصى، والثانية مع المسيرات الإيرانية، وقد يكون القادم أسوأ.

كان من الممكن لإسرائيل أن تعيش في أمان كبير منذ عقود لو أنها اقتنعت أنها ليست سوى صنيعة للغرب ولا يمكن أن تعيش لأسبوع واحد من دون مساعدات أوربا وأمريكا، لكنها كذبت على نفسها وعلى مواطنيها واقتنعت فعلا أن جيشها لا يقهر وأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأن مخابراتها هي الأذكى والأروع وأن جنودها هم الأبطال الخوارق، وأنها تمثل فعلا شعب الله المختار.. وأنها ملكة جمال الكون.

لكن في كل يوم تثبت إسرائيل أنها أكثر هشاشة من بيت العنكبوت، وأنها حين غزت غزة واقترفت أكثر المذابح جبنا وقرفا في التاريخ فإن ذلك لم لم يكن ليتم لولا دعم أمريكا وأوربا، والتاريخ يخبرنا أن أي دولة أو حضارة ركزت على قتل الأطفال فإن عمرها يكون قصيرا.. قصيرا جدا.

يصعب علينا أن نتصور كيف تغزو إسرائيل غزة لقتل أي شيء يتحرك، ويصعب علينا فهم كيف تتحدث عن انتصارات وهمية على النساء والأطفال، بينما المقاتلون الفلسطينيون لا يحصلون ولو على رصاصة إضافية من كل العالم، بينما كل مصانع الأسلحة الأمريكية والأوربية مفتوحة أمام إسرائيل.. وبالمجان، يضاف إلى ذلك تزويد إسرائيل بكل أنواع التكنولوجيا الاستخباراتية المتطورة، وكل ذلك من أجل إبادة شعب أعزل في قطعة أرض صغيرة بلا أسلحة ولا ماء ولا غذاء. هذا شيء غير مسبوق في التاريخ، ورغم كل هذا الفارق الخرافي والمهول فإسرائيل لن تنتصر سوى على نفسها.

وعندما نرى قادة الغرب هذه الأيام ينصحون إسرائيل بعدم الرد على إيران، فذلك سببه بسيط وهو أن الغرب هو من سيتكفل بحماية إسرائيل في حالة نشوب حرب شاملة، لأن إسرائيل لم تستطع حماية نفسها لوحدها من خردة المسيرات الإيرانية.

اليوم، أصبحت إسرائيل تدرك أنها تعيش تهديدا وجوديا حقيقيا، ليس بفعل المسيرات الإيرانية أو صواريخ حزب الله، بل لأنها أدركت أخيرا أنها تفتقد لمقومات الوجود، وأن الحياة بمساعدات الآخرين لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وأن أكاذيب الجيش الذي لا يقهر ثبتت بلادتها منذ زمن طويل، بينما لا يمكن لأية ديمقراطية حقيقية أن تقتل 20 ألف طفل في بضعة أشهر مهما كانت الأسباب.

حين نرى اليوم الملامح الباهتة والوجوه الصفراء لقادة إسرائيل، فذلك ليس بسبب مسيرات وصواريخ الأعداء، بل لأن الإسرائيليين العاديين صاروا مقتنعين أن مستقبلهم الحقيقي يوجد خارج إسرائيل، وأن الله لم يختر أي شعب ليمثله على الأرض، وأنه من الأفضل لليهود أن يمثلوا أنفسهم فقط..!.

ويكفي الاطلاع هذه الأيام على مقالات الكثير من المثقفين والكتاب الإسرائيليين لإدراك أن إسرائيل تعيش لحظات مصيرية لا دخل فيها لإيران ولا لحماس ولا لحزب الله ولا لغيرهم، بل تعيش معضلتها مع نفسها، لأن الإسرائيليين، الذين يتوفرون في الغالب على جنسيات مزدوجة، صاروا ينظرون إلى المستقبل بكثير من التشاؤم والإحباط، وكثيرون يغادرون ولا يعودون، بينما لا يزال قادتهم يتصرفون بمنطق “غرانديزر”.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )