تلميذة آسفي.. وجحافل الغشاشين..!

المساء اليوم – هيأة التحرير:

يمكننا أن نتخيل لحظة القبض على تلميذة البكالوريا بآسفي، وكيف تحولت في لحظة إلى مجرمة حين أحاط بها “حماة القانون وصفوة الملائكة” من كل جانب ثم أنجزوا لها محضرا سريعا جدا وتمت الإدانة فورا ثم طردوها من مركز الامتحان مثل قطعة متلاشيات انتهت صلاحيتها.

نستمر في تخيل التلميذة البائسة وهي تسير على غير هدى في شوارع وأزقة المدينة كأنها في قلب مسلسل رعب لم تكن تتخيله أبدا. تتصور الفضيحة التي ألبسوها إياها ومستقبلها القاتم وخيبة أهلها وتشفي أقرانها.. تخيلت كل شيء حتى وصلت إلى الجرف المعلوم.. ثم ارتمت إلى الفراغ. إنها شهيدة بألف شهادة.. وضحية شياطين الإنس والمنافقين من كل الأشكال.

الذين اتهموا الطفلة المسكينة بالغش ظلوا يغشون أمة بكاملها منذ بدء الموسم الدراسي الحالي وظلوا يرقصون في الشوارع بدعوى الإضراب وتركوا ملايين التلاميذ ضحية للفراغ والغموض والقلق، وعند امتحانات البكالوريا أمسكوا بفتاة مسكينة وألبسوها تهمة الغش وأرسلوها إلى القبر بأبشع الوسائل.

كنا نتمنى لو أن أولئك المنافقين من شياطين الإنس هم الذين توجهوا إلى ذلك الجرف عوض تلك الطفلة البريئة، وكنا نتمنى لو أن هذه التلميذة تمتعت كغيرها بموسم دراسي كامل وخال من الغش والتدليس والإضرابات المتوحشة، ومن الأكيد أنها لم تكن أبدا لتفكر في شيء اسمه “النقيل”.

الغش الحقيقي الذي يستحق كل العقاب هو الذي مارسه أولئك المضربون الذين لم يقيموا لمستقبل ملايين التلاميذ أي وزن، وفي النهاية يمارسون دور الرجولة على فتاة بائسة ويتيمة، مثلهم مثل كل “الشمايت” في هذا العالم المريض.

الغشاشون الحقيقيون هم الذين يمضون الموسم الدراسي في استخراج الشواهد الطبية المزورة للغياب عن الأقسام والتخصص في السمسرة في كل شيء.

الغشاشون هم من يهجرون الأقسام بحجة الإضراب ثم يطوفون على ضحاياهم من التلاميذ من أجل ريع الساعات الإضافية أو التدريس “سرا” في المدارس الخصوصية.

الغش الحقيقي هو الذي يمارسه جيش من لصوص المال العام ومختلسو الثروات وباعة المخدرات وسماسرة المحاكم والمستشفيات والإدارات، والذين يستحقون السقوط من الجرف مليون مرة.

الغش الحقيقي يمارسه ملايين الغشاشين في هذه البلاد الذين تسببوا في جعل قطاع التعليم في المرتبة الأخيرة إفريقيا، وليس فقط عالميا، بحيث لا نجد أية جامعة مغربية في قائمة الألف جامعة عالمية.

الغش الحقيقي هو الذي يمارسه أوغاد “الجنس مقابل النقاط” في الجامعات والذين ينبغي إعادة ختانهم بمقصات العشب.

الغش المقرف والشيطاني هو بيع شواهد الماستر والدكتوراه بأسعار السكن الاقتصادي، فأصبح “دكاترة غوغل” عندنا كمثل الحمير يحملون أسفارا.

الغش المخجل هو ما حكاه تلاميذ عن أساتذة يحرسونهم في امتحانات البكالوريا وتفوح منهم روائح العرق والسجائر إلى درجة أنهم تسببوا لكثير من التلاميذ في حالات دوار خطيرة، وأحيانا التقيؤ.

الغش العميق هو ما تفرزه لنا انتخابات تخلق لنا كل خمس سنوات جيشا من لقطاطعية والجهلة والأميين الذين يحولون المال العام إلى “وزيعة” مستباحة يفترسونها ليل نهار.

الغشاشون هم أولئك الذين دفعوا الرشاوى لكي يتحولوا إلى معلمين وأساتذة ومحامين وأطباء ومهندسين وبرلمانيين ومسؤولين في كل القطاعات، أما التلميذة المسكينة فإنها مجرد ضحية لأمة من الغشاشين.

على روحها البريئة ألف رحمة ورحمة.. وعلى من تسببوا في مصيرها المحزن مليون لعنة ولعنة.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 1 )

  1. Hassan :

    تحية احترام و تقدير لكاتب هذا المقال و رحم الله التلميذة.

    0