المساء اليوم - هيئة التحرير: العام المقبل ستكمل المسيرة الخضراء عقدها الخامس، وهو ما يعني في أعراف الأحداث الكبرى "اليوبيل الذهبي"، وهو ذهبي فعلا للمغرب، لكنه ليس كذلك، بالتأكيد، بالنسبة للجزائر التي ستكون ملزمة بالبحث عن اسم يناسبها. لسنا ممن يدقون طبول الحرب ولا ممن يدعون إلى دق إسفين الشقاق بين الجيران والشعوب، فقد كنا، ولا نزال، نعتبر الجزائر بلدا جارا حتمته الأقدار والجغرافيا، ونعتبر أيضا الجزائريين شعبا أخا وعزيزا نشترك معه في أشياء كثيرة. 50 عاما على المسيرة تعني أشياء كثيرة جدا، فقد تغيرت ملامح الصحراء المغربية بشكل لم يكن يتخيله أحد، ولو لم يكن هذا العناد من جانب حكام الجزائر على إشعال النيران لكان الوضع أفضل بكثير، وسيكون كذلك مستقبلا رغم كل شيء. اليوم، وبعد 50 عاما على المسيرة، من حقنا أن نمارس بعض الخيال ونتساءل بحرقة: ماذا لو أن الجزائر كانت عاقلة منذ البداية وتخلت عن دعم كيان هي أول من يعرف أنه مصطنع، وماذا لو أن حكام الجزائر فصلوا منذ البداية بين أحلامهم الإيديولوجية وعقدهم السياسية وتركوا المغرب يمارس حقا من حقوقه الطبيعية، وهو استرجاع جزء من أراضيه بعد استعمار مزدوج فرنسي - إسباني كان بمثابة ورم سرطاني نادر. لقد خرج المغرب من الاستعمار المزدوج بحظ أقل بكثير من الجزائر، التي وجدت نفسها بلدا شاسعا مترامي الأطراف، لسبب بسيط وهو أن فرنسا أطالت المكوث بالبلد، ولم تكن تنوي المغادرة أبدا، لذلك قضمت من كل البلدان المجاورة بلدا بالكامل وألحقته بالجزائر "الفرنسية"..! هكذا صارت جارتنا الشرقية أكبر مستفيد على الإطلاق من الاستعمار، لذلك دافعت باستماتة عن مبدأ "عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار" وكأن الاستعمار لا يزال هو الاستعمار.. وكأن الجزائر هي الناطقة الرسمية باسم الاستعمار في مرحلة ما بعد الاستعمار..! لن نتحدث عن الصحراء المغربية الشرقية إلا من باب التذكير بمطامح فرنسا الأبدية في الوصول إلى مياه الأطلسي، ويكفي تأمل حدودنا الشرقية وطرق اعوجاجها المريبة لكي ندرك أن الحلم الفرنسي القديم ورثه الجيران الذين أورثوه أيضا لكيان مصطنع، والهدف واحد.. وضع العصا في عجلة كبيرة لا تهم المغرب فقط، بل المغرب الكبير وكل شعوبه. لكن الحلم الاستعماري الذي كان اقتصاديا وجغرافيا بالأساس، تحول إلى حلم سياسي وإيديولوجي لحكام الجزائر. لذلك أدهشنا رد الفعل الجزائري حين فتح المغرب موانئ الصحراء للبلدان الإفريقية.. ففي النهاية ما يهم الجزائر ليس التنمية لبلدان إفريقيا، بل أن تكون إفريقيا مجرد تابع للعقد السياسية الجزائرية. كان بإمكان جيراننا أن يدركوا، منذ زمن بعيد، أن الصحراء قضية منتهية، ليس فقط بالنسبة للمغاربة، بل للعالم كله، وأن الصحراء قضية إجماع وطني مهما كانت الخلافات أو القناعات، وأن فصل الصحراء عن المغرب يشبه فصل الدار البيضاء أو مراكش أو طنجة.. إنها قضية مستحيلة.. إلى درجة الاستحالة المطلقة. طوال 50 عاما سخرت الجزائر كل إمكانياتها ووقتها وجهدها لزراعة كيان دخيل في المنطقة، ولو أنها سخرت نصف ذلك الجهد من أجل التنمية لتغيرت الكثير من ملامح المنطقة، ولكان الشعب الجزائري هو المستفيد الأول من ثروات بلاده، وليس مليشيات مسلحة حالمة. على هذا الأساس نتمنى أن يكون اليوبيل الذهبي مناسبة لحكام الجزائر لكي يدركوا أن مستقبل المغرب العربي الكبير يجب أن يكون مختلفا، فلا أحد يحتمل أنه بعد 50 عاما من التنمية من الجانب المغربي، سيواصل الجانب الجزائري وضع العصا في العجلة لخمسين سنة أخرى.. إنه العبث.. العبث الكبير.