المساء اليوم - هيأة التحرير: يعرف الجميع طبيعة المشاعر الجزائرية وهي تعاين المواقف الدولية المتوالية من المقترح المغربي بالحكم الذاتي في الصحراء، ويدرك الجميع كيف يحس حكام الجارة الشرقية وهم يرون القنصليات تفتح أبوابها تباعا في أقاليم الصحراء. ويدرك الجميع طبيعة الحرج الجزائري وهي تصدر بيانات التهديد والوعيد ضد فرنسا بعد قرارها بدعم مغربية الصحراء. وقبل ذلك فعلت أكثر مع إسبانيا بعد رسالة سانشيز الشهيرة للملك محمد السادس حول الموقف الإسباني الجديد حول الصحراء. كما يعرف الجميع لماذا "تفرعنت" الجزائر على إسبانيا أكثر من اللازم، وفعلت أقل من ذلك مع فرنسا، وفعلت أقل من الأقل مع بلدان أخرى أعلنت عن مواقف مشابهة، لكن هذه الجزائر لم تستطع التفوه ببنت شفه بعد القرار الأمريكي بالاعتراف الصريح والمباشر بمغربية الصحراء.. وعاش من عرف قدره..! كما لم يكن للجزائر أي رد فعل عندما صرحت السفيرة الأمريكية في الجزائر، قبل بضعة أسابيع فقط، بأن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء نهائي ولا رجعة فيه. مقابل كل هذا تدرك الجزائر جيدا مدى ورطتها في واقع إقليمي ودولي لا يلعب إطلاقا في صالح أطروحتها حول "الجمهورية الصحراوية"، ويدرك حكام الجزائر ما هو أسوأ، وهو أنه في غضون بضع سنوات سيكون على الجزائر أن تمنح لجمهوريتها الصحراوية قطعة من الأراضي الجزائرية لكي تنشئ عليها جمهوريتها.. ولا حل سوى ذلك. الورطة الجزائرية مع "جمهوريتها الصحراوية" بدت أكثر إيلاما في مؤتمر "تيكاد" المنعقد مؤخرا في طوكيو، والذي يجمع اليابان ببلدان إفريقيا، وعوض أن تعمل الجزائر على التفكير سويا مع بلدان إفريقيا من أجل أنجع السبل لتنمية القارة، إلا أنها ذهبت إلى اليابان بهاجس واحد: أن يظهر وفد اليوليساريو في الصورة وكأنه يشارك فعلا في هذه القمة..! ومن أجل تحقيق هذه الغاية الغريبة، دخل وفد "اليوليساريو" إلى اليابان بجوازات جزائرية، كما يحدث دائما في كل مكان، وتحول الأمر إلى كوميديا سوداء عندما تسلل عضو من البوليساريو إلى قاعة المؤتمر وجلس خلسة، مثل أي متطفل في عرس عائلي، وأخرج من محفظة مهترئة قطعة ورق مكتوب عليها اسم جمهوريته ثم تبسم "علشان الصورة تطلع حلوة"، وهو ما لم يحدث مطلقا في مؤتمر في العالم في وقت سابق، ولن يحدث ذلك أبدا في وقت لاحق. المثير في كل هذا أن وزارة الخارجية اليابانية وجهت دعوات للمشاركة في الاجتماع الوزاري (تيكاد 9)، حصريا، إلى البلدان الأفريقية الأعضاء في الأمم المتحدة. ولم تتم دعوة "الجمهورية الصحراوية"، ولا جبهة البوليساريو. كما أن القائمة الرسمية للبلدان المشاركة في هذا الاجتماع لا توجد ضمنها "الجمهورية الصحراوية"، لكن شخصا دخل خلسة إلى قاعة المؤتمر وجلس على مقعد وكأنه لص دجاج. ما جرى في اليابان يذكرنا بما جرى في إسبانيا من قبل، عندما أدخلت الجزائر زعيم البوليساريو إلى مستشفى إسباني بهوية مزورة، وتحولت الجزائر وقتها إلى مادة تندر في الصالونات السياسية العالمية. ما تقوم به الجزائر من أجل البوليساريو لم يعد مجرد دعم سياسي من حكومة منفصمة سياسيا لتنظيم منفصم نفسيا، بل ما يجري صار يأخذ طابع كوميديا سوداء لأنه يثبت أن الجزائر دخلت فعلا مرحلة الهذيان، وهذا شيء قد لا يعني المغرب كثيرا، لكنه يعني كثيرا الشعب الجزائري الذي يرى ساسته يصابون بالخرف ويحولون البلاد إلى أضحوكة أمام العالم ويبذرون ثرواتها من أجل الأوهام. يمكن للجزائر أن تستمر طويلا في ترديد عبارة "الاحتلال المغربي" للصحراء، لكن الشعب الجزائري صار يدرك جيدا أن هناك فعلا احتلال، لكنه احتلال تعاني منه الجزائر وليس الصحراء، فلم يكن أحد يتصور، قبل بضعة عقود، أن البوليساريو، الذي خلقته ورعته الجزائر، سيتحول إلى غول يحتل صانعه ويحوله إلى مختل عقلي يرفس الملتقيات والمؤتمرات الدولية مثل بغل هائج من أجل وهم يفترض أن يكون قد انتهى منذ زمن بعيد. الأمر شبيه بأفلام الخيال العلمي.. لكنه حدث في الواقع. عموما.. إن كان هناك احتلال ينبغي على الشعب الجزائري مقاومته، فهو احتلال البوليساريو للجزائر.. وقد يكون أسوأ بكثير من الاحتلال الفرنسي..!