عبد الله الدامون damounus@yahoo.com مررت، قبل أيام، بسوق قروي لبيع الماشية. أردت فقط توقع أسعار الأضاحي خلال عيد الأضحى المقبل. لاحظ بائع اهتمامي بكبش يشبه فرخ بطة، ربما لا يزال يرضع حليب أمه، فحمله بيد واحدة وتوجه نحوي محاولا إغرائي بسعره الزهيد.. 2600 درهم فقط لا غير..! في مساء اليوم نفسه التقيت بفلاح قرب واد كثير الأحراش. حكيت له ما جرى في الصباح في سوق المواشي. ضحك وأخبرني أنه عثر أكثر من مرة في هذه الأحراش على رؤوس حمير وبغال. فهمت المعنى جيدا.. وأنتم، بطبيعة الحال تفهمون.. البديل دائما موجود، والناس عادة لا يسألون عن المصدر عندما يجدون شيئا في المتناول.. فعندما يناهز سعر الكيلوغرام من اللحم ال150 درهما، فإن مافيا الغش تعوض الدولة في "خدمة المواطنين"..! عموما.. استعدوا لعيد الأضحى المقبل كما تستعدون للحرب.. حرب في المغرب الأخضر، اخضرار قاتم لم يعد المغاربة يجدون فيه لقمة عيش كريمة إلا بشق الأنفس. يخرجون من ضائقة ليدخلوا أخرى.. ويدور عليهم العام وهم في عز الدوار. هذا المغرب الأخضر يستورد الأبقار والمواشي والدجاج من كل مكان، من البرازيل ورومانيا وإسبانيا والباراغواي وأستراليا، وكل ذلك لم يؤثر أبدا في تلطيف أسعار اللحوم، بينما جنى "أغنياء الحرب" مبالغ خرافية من الدعم الذي تقدمه الدولة للمستوردين، وفي النهاية ذهبت اللحوم المستوردة الرخيصة لمموني الحفلات والسماسرة، وبقي المغاربة يقرضون الشعر في اللحم. ليس هذا فحسب، فقبل عيد الأضحى الماضي كانت الحكومة تقول إن رؤوس الماشية متوفرة بقدر كاف لتلبية حاجيات المواطنين في العيد، وفي النهاية ثبت أن رؤوس الماشية الحقيقية هي التي صدقت هذا الكلام، لأن المواشي المعروضة في السوق كانت أقل من نصف ما وعدت به الحكومة، وتفوق سعر الكبش على سعر سيارة مستعملة، وبقي ملايين المغاربة بدون أضاحي في.. المغرب الأخضر.. الأخضر أكثر من اللازم. لكن هناك نميمة تقول إن الدولة بنفسها تمت "قولبتها" من طرف المشرفين على إحصاء وتعقيم رؤوس المواشي، وأن كل شخص مكلف بالإحصاء والتعقيم كان يضع عددا مبالغا فيه للمواشي حتى يحصل على تعويض كبير.. وبذلك ارتفعت أعداد المواشي بشكل خرافي على الورق.. وبقيت الأسواق فارغة. إننا المجتمع الأكثر تدينا في العالم.. كما تصفنا بعض التقارير الدولية الحمقاء. لا أعرف لماذا يخشى المسؤولون الاعتراف بالحقيقة الصادمة، وهي أن المغرب فشل كبلد فلاحي، فشل لأنه يستورد كل شيء تقريبا من الخارج، وأسعار المواد الغذائية تناطح السحاب، لكن هذا لا يمنع من يسمون أنفسهم المصدرين من "تهريب" آلاف الأطنان من المواد الفلاحية المغربية نحو أسواق موريتانيا والسنغال وباقي بلدان إفريقيا. هل الموريتاني أو السنغالي يمكنه شراء كيلوغرام من الطماطم أو البطاطس أو الباذنجان بسعر أعلى من المواطن المغربي..!! إنه تساؤل بريء.. بريء جدا.. ولا أعرف لماذا أتذكر دائما تلك الشاحنات العائدة من بلدان إفريقيا حيث يتم ضبطها، بين الفينة والأخرى، في معبر الكركرات وهي محملة بمئات الكيلوغرامات من الكوكايين..! من المفجع حقا أن نسمي أنفسنا بلدا فلاحيا وسعر اللحوم عندنا أغلى من باقي العالم، بل إن المغاربة يستهلكون لحوما فاسدة بالأطنان، وقبل أيام تم ضبط عدة أطنان من اللحوم الفاسدة في حي واحد بمدينة مغربية، كما أنه لا بأس من تذكر حادثة جرت قبل سنوات حين تم ضبط شاحنة قادمة من سبتة، قبيل رمضان، وبها عدة أطنان من لحوم الخنازير. لم لا نعترف، أيضا، أننا كمجتمع نعاني من رهاب اللحم وكأننا سنموت بجلطة مفاجئة إذا لم نأكله، وما الذي يمنع المغاربة من مقاطعة اللحم ولو لشهر واحد، ووقتها سيرون العجب في أسعاره..! لماذا نتنمر فقط، مثلما حدث زمن المقاطعة، على الماء والحليب، ونحس بضعف كارثي أمام اللحوم..!؟ ثم لماذا لا نمتلك الشجاعة للاعتراف بأننا نتحول في رمضان إلى شعب مهووس بالأكل ونرمي خمسة أضعاف ما نشتريه ونطبخه في براميل القمامة، ومع ذلك لا نجد مكانا فارغا في المساجد ساعة التراويح بسبب فائض التقوى والورع..! لماذا لا نتساءل عن المخطط الجهنمي ضد قوت المغاربة بحجة الجفاف، بينما بلدان مجاورة تسقط فيها الأمطار بدرجة أقل ولا ترتفع فيها الأسعار..! هل المسؤولون المغاربة وحدهم الذين ابتلاهم الله ب"القفوزية الزايدة"..!؟ لماذا، مثلا، انهارت أسعار زيت الزيتون بشكل غير مسبوق في تونس هذا الموسم، رغم الجفاف، بينما عندنا ارتفعت أسعاره بطريقة مجنونة بحجة الجفاف..! هل هذا يعقل..؟ نكمل في الحلقة المقبلة..