المساء اليوم - ع. الدامون: الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على المغرب في الأيام القليلة الماضية كفيلة بأن تعوض شهورا من الجفاف، وربما سنوات، وتقديرات مديرية الأرصاد الجوية تقول إن الأمطار ستنعش الفرشة المائية وتنقذ الفلاحة الربيعية وتعوض ما سلف من خصاص. هناك أيضا الثلوج الكثيفة التي عرفتها أغلب المناطق في البلاد، والتي تلعب دورا كبيرا في زيادة موفور المياه الجوفية ورفع منسوب السدود. لكن في كل هذا، نخشى أن يمر شهر واحد فقط فتبدأ الحكومة في الصراخ والنحيب بشأن الجفاف وتخويف المغاربة من شح المياه والتهديد لتقنين التزود بالمياه مع اقتراب فصل الصيف. ما نعانيه فعلا ليس الجفاف، بل التجفيف، لأنه في ظل كل هذا الترهيب الرسمي من عواقب الجفاف، فإن طوابير طويلة من الشاحنات المكدسة بالمواد الفلاحية تأخذ طريقها يوميا نحو أوربا وإفريقيا وباقي بلدان العالم، في الوقت الذي يكتوي فيه المغاربة بنيران الأسعار في الأسواق..! في كل عام يتم تصدير سدود كاملة من المياه نحو مختلف مناطق العالم، مخبأة ومعبأة داخل الدلاح والأفوكا والفريسا والطماطم وغيرها من المنتجات المفترسة للماء، ثم يلتفتون نحونا ويتكلمون معنا بصفة الواعظين الورعين: اتقوا الله أيها المغاربة.. فنحن نعيش الجفاف للعام السادس على التوالي..! وأكثر من هذا فإن الكثير من المواد الغذائية المغربية تباع في أسواق أوربا بسعر أقل من المغرب. هذه ليست نكتة، بل حقيقة مرة.. شديدة المرارة. وفوق هذا وذلك فإن أسواق موريتانيا والسنغال وباقي بلدان إفريقيا تغرق بالمواد الفلاحية المغربية، والتي تباع بأسعار التراب هناك، فهل المواطن الإفريقي يتوفر على قدرة شرائية أعلى من المواطن المغربي حتى يتم تفضيله.. بل وتدليله، وحرمان المغاربة من قوتهم. إنها أسئلة حارقة لواقع غريب، لأن الشناقة قي هذه البلاد لا يقتصر دورهم على شنق أسعار اللحوم والخضروات والأكباش والمساكن والأراضي وغيرها، بل يشنقون حتى الماء، إلى درجة صرنا نرى سدودا خاصة يبنيها إقطاعيون كبار لسقي ضياعهم الكبيرة، بينما تموت حقول صغار الفلاحين من العطش. نرى أيضا أباطرة الحشيش يستولون على منابع المياه ويستنزفون المياه الجوفية ويبنون مخازن عملاقة لتخزين المياه لسقي الحشيش، ثم يقولون لنا إنه الجفاف. أنه ليس الجفاف.. بل إنه التجفيف بكل ما في الكلمة من معنى، وشناقة الماء صاروا يشكلون لوبي خطير يهدد حاضر ومستقبل المغاربة، لأنهم يمارسون الشيء الذي يتقنونه، أي سرقة الأمطار التي تجود بها السماء وتوظيفها لمصالحهم الخاصة، بينما الدولة تكتفي بالتفرج، بل بالتواطؤ. إنه واقع غريب إلى درجة العبث.. ولا أحد يلعن هذا المنكر.