إسلاميو المغرب.. لا ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم!

بلال التليدي

استقطب مؤتمر العدالة والتنمية المغربي نهاية الأسبوع الماضي اهتماما كبيرا، سواء من قبل مسانديه الذين كانوا ينتظرون انبعاثه وعودته لتصدر المشهد السياسي من جديد، أو من قبل خصومه الذين كانوا يترقبون المآل الذي سينتهي إليه، وهل يمضي في تزكية قيادة ابن كيران أم يتجه نحو قيادة أخرى؟

في الواقع، نجح الحزب في أن يلفت الانتباه إلى براعته في تنظيم المؤتمر، وقوته التواصلية، وانضباط مؤتمريه وقواعده لأطر القانونية والتنظيمية للمؤتمر، كما نجح مرة أخرى في أن يبرز قدرة ديمقراطيته الداخلية في تدبير الخلافات السياسية، إذ شكلت لحظة «التداول» في أسماء المرشحين للأمانة العامة فرصة مهمة، لبعض التقييم السياسي للمرحلة السابقة، بعد أن اتخذت قيادة الحزب قرارا بعدم النبش في الماضي، والتركيز على سؤال المستقبل.

وإذا كانت العملية الديمقراطية أفرزت تصدر عبد الإله بن كيران لمرة رابعة لأمانة الحزب، وسمحت بإخراج جزء مهم من النقاش على سلوكه القيادي، وطرحت أسئلة أخرى حول دلالات التراجع النسبي في شرعيته الانتخابية (من 81 في المائة في المؤتمر الاستثنائي إلى 69 في المائة في هذا المؤتمر) فإن الخطاب السياسي الذي راج داخل المؤتمر، غيب سؤالا عميقا حول حدود تفاعل إسلاميي المغرب مع أزمة إسلاميي المشرق، إذ بدا في هذا الخطاب نوع من الاتصال والزخم السياسي بين الأمس واليوم (تجربة العدالة والتنمية في الحكومة، وتجربته في المعارضة) دون أن يلمس المراقب أي أثر لتحولات الوضع الدولي والإقليمي ولحساسيات الموقف من الإسلاميين في خطاب إسلاميي المغرب.

ابن كيران تحدث بكل قوة عن رهان انتخابي قوي، وعن تصدر المشهد السياسي، إذ لم يزح من الاعتبار احتمال قيادة الحكومة من جديد، وامتلأ خطابه السياسي بمفردات مواجهة «تضارب المصالح» و«زواج المال بالسلطة»، وهو يدرك أن مواجهة رمز التحكم السياسي سابقا (الأصالة والمعاصرة) ورمز التحكم الاقتصادي حاليا (حزب التجمع الوطني للأحرار) يعني بشكل من الأشكال مواجهة مراكز النفوذ والسلطة المؤثرة في دوائر القرار السياسي.

على مستوى آخر، لوحظ أن خطاب الحزب المرتبط بقضايا الأمة لم يتغير كثيرا، فلا تزال مواجهة التطبيع، ودعوة الدولة إلى توقيفه، ونصرة حماس وفصائل المقاومة خيارات ثابتة في خطابه، باستثناء ما كان من دعوة ابن كيران إسرائيل إلى إجراء «مصالحة مع الفلسطينيين» تلك الدعوة التي لقيت انتقادات كثيرة حتى من داخل الحزب.

أكثر من ذلك، فقد دعا الحزب أحد قيادات حماس لحضور المؤتمر (فوزي برهوم) وانتقد وزارة الخارجية المغربية على عدم منحه تأشيرة الدخول للمغرب.
صحيح أن ابن كيران في خطابه يلوح كل مرة بعبارة «نتفهم موقف الدولة» لكنه في المجمل، لا يزال يحمل نفس الخطاب بخصوص قضايا الأمة، بما في ذلك، شن انتقادات لاذعة لنظامي عبد الفتاح السيسي وقيس السعيد على خلفية قمعهما للإسلاميين، ومصادرتهما للحريات.

هناك تخوف شديد من أن يتقلص الوعي بتحولات الموقف الدولي والإقليمي، وينساق إسلاميو المغرب وراء نوستالجيا تاريخية

بعض النخب لاحظت أن سؤال المستقبل في خطاب إسلاميي المغرب كان ضعيفا أو محدودا، حتى في البعد الوطني، إذ لم يطرح أحد سؤال إمكان الاستحمام في النهر مرتين، وهل يمكن للحزب أن يعيد تجربة رئاسة الحكومة أو تجربة تصدر الانتخابات؟ وفي هذه الحالة، كيف يمكن أن يواجه سيناريو «البلوكاج» من جديد؟ وهل قدم تقييما جماعيا بخصوص أخطاء التجربة الأولى حتى يسمح لنفسه في المضي في الطريق نفسه دون رؤية لما يمكن أن يكون عليه الوضع في المستقبل؟

ابن كيران، صرح بأنه لن ينتج جوابا مثيلا لما قدمته القيادة السابقة حين قالت بأن «نتائج الانتخابات غير مفهومة»، وأنه سيواجه تزوير وزارة الداخلية لدائرة واحدة، بإعلان فضيحة واحدة، وتزويرها دائرتين بفضيحتين، وتزويرها مائة بإعلان مائة فضيحة، وألفا بألف، بما يفيد بأنه سيدخل في مواجهة سياسية معها في حال كانت النية لديها منع حزبه من تصدر المشهد.

هذه المواقف سواء بإزاء الاستحقاق الانتخابي أو السياسي، او بإزاء قضايا الأمة، تؤكد بأنه وحده صوت إسلاميي العدالة والتنمية بقي عاليا في محيط العالم العربي، وأن تغير المحيط الدولي والإقليمي وتراجع مواقع الإسلاميين في العالم العربي، لم يكن له تأثير دال على إسلاميي المغرب، وسط تساؤلات حول سبب ذلك، وهل تعي قيادة الإسلاميين ما تتجه إليه، أم أنها منساقة بوحي من الانتقام للماضي لا غير؟

في الواقع، لا شيء في الماضي يؤشر على تهور إسلاميي المغرب، فقد كانوا دائما براغماتيين في مواجهة الأزمات، وقد أحنوا الرأس كثيرا عند ملاحظة اقتراب العواصف لاسيما عند الاصطدام بالمؤسسة الملكية، فاستقال الدكتور أحمد الريسوني من رئاسة حركة التوحيد الإصلاح على خلفية تصريحات مست بالملك (مسألة تفويض صلاحيات أمير المؤمنين) واضطرت الحركة لإحداث تغييرات على هويتها مع الأحداث الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء (16 مايو 2003) وقرر الحزب التقليص من مشاركته الانتخابية عقب ذلك، وتدخل ابن كيران لتهدئة الحزب عقب صدور انتقادات من داخله لموقف الدولة من التطبيع، مشددا على أن الحزب يتفهم موقف الدولة ولن يواجهها في هذا الموضوع.
هذه المؤشرات التي تزكي فكرة براغماتية الحزب، تطرح سؤالا عميقا عن سبب استمرار تعالي صوت واحد للإسلاميين في العالم العربي هو صوت العدالة والتنمية، وعلاقة ذلك بمستوى الوعي بتحولات المحيط الدولي والإقليمي، وهل يتعلق الأمر بفهم لخصوصية النظام الملكي الذي يحمي الإسلاميين ويقدم ضمانات للغرب، بأن نجاحهم لا يؤثر على المعادلات الكبيرة بما في ذلك ما يرتبط بالموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، أم هل يتعلق بسابق التجربة، أي وجود إسلاميي العدالة والتنمية في الحكم عشر سنوات، والذي لم يؤثر على سياسة المغرب الخارجية، بما في ذلك ما يرتبط بالقضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل التي بلغت أوجها في عهد قيادة العدالة والتنمية للحكومة (توقيع سعد الدين العثماني لاتفاق أبراهام)؟

هناك تخوف شديد من أن يتقلص الوعي بتحولات الموقف الدولي والإقليمي، وينساق إسلاميو المغرب وراء نوستالجيا تاريخية، يستعيدون بها تجربة ابن كيران في حكومة الربيع العربي في المغرب (2012-2016) أو أن يكون الحزب مدفوعا بفكرة الانتقام السياسي لتجربة إخراجه المذل من الحكومة، وفي حال حصول هذا السيناريو، فإن براغماتية الحزب، التي كانت تميزه في مساراته المختلفة ستكون محط مساءلة.

لا أميل كثيرا لهذا السيناريو رغم بروز بعض مؤشراته، فشخصية ابن كيران مطبوعة بعقلانية شديدة، وببراغماتية أشد، لكن في ظل عدم جواب عن سبب تأثير تغيرات الوضع الدولي والإقليمي في خطاب العدالة والتنمية الصاعد، يبقى هناك احتمال ضئيل، قد يرتبط بالقراءة التي يحملها ابن كيران لهشاشة الوضع السياسي، أو خصوصيات تجسير الانتقال، أو متطلبات تحصين الجبهة الداخلية في سياق إقليمي متوتر، ففي هذه اللحظات، غالبا ما يكون الطلب على الأحزاب القوية، ليس لإسلاميتها، ولكن للطلب القوي على دورها للمساعدة على تثبيت شرعية الدولة، وتقويتها للداخل، وقدرتها على تعبئته في مواجهة التحديات الخارجية.

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )