التعديل والتعذيب..!

عبد الله الدامون

damounus@yahoo.com

بداية أعتقد أنه يجب تقديم اعتذار عام للمغاربة من طرف المسؤولين عن التعديل الحكومي الأخير، ليس لأنه دون المستوى، بل لأنه لا يعرف أصلا كلمة “مستوى”. إنه تعديل يشبه تفسير الماء، بعد الجهد، بالماء.. تعديل يشبه التعذيب.

الاعتذار يجب أن يتم، أيضا، لأن المغاربة أمضوا شهورا طويلة وهم ينتظرون تعديلا حكوميا كانوا يعتقدونه يشبه الجني الأزرق الذي يخرج من المصباح السحري ويقول لهم ” شبيك لبيك.. أنا عبد بين يديك”، فيطلب منه المغاربة أشياء كثيرة جدا قد يضطر معها الجني إلى تقديم استقالته.

الاعتذار عن التعديل الحكومي مطلوب بشدة من الأحزاب التي تستمر في إهانة المغاربة، وإهانة نفسها قبل ذلك، عندما تقدم للاستوزار كل أنواع المتردية والنطيحة وما عاف السبع.

لكن المغاربة أيضا يجب أن يطلبوا الصفح من أنفسهم لأنهم لا يريدون الخروج من “دار غفلون”، ويستمرون في الاعتقاد بأن التعديلات الحكومية يمكنها خفض الأسعار وزيادة الرواتب ومحاربة الفساد.. وما إلى ذلك. التعديلات الحكومية مجرد عملية “دارت” تمارسها الأحزاب بين “مناضليها” من الوزن الثقيل الذين يتناوبون على المناصب والوزارات، وما سوى ذلك مجرد أوهام.

التعديل الحكومي الذي انتظره المغاربة لأشهر طويلة جاء لكي يكرس معطى أساسيا هو أن الوزراء، في البداية والنهاية، هم مجرد عمال سخرة لا يقدمون ولا يؤخرون، وأن استوزارهم مسألة شخصية جدا لأن “المدام” تريد أن يلقبونها بحرم السيد الوزير، والأبناء والأعمام والأصهار كذلك، بما يصاحب ذلك من امتيازات غليظة كلها تخرج من المال العام، أي من جيب الشعب. التعديلات، إذن، مسألة غير جدية كما يعتقد الكثيرون.

وعندما شاهد المغاربة لائحة التعديلات الحكومية تساءلوا باستنكار: ألم يتم تغيير وزير العدل عبد اللطيف وهبي..!؟ ترى من أقنعهم بأن هذا الوزير سيتم تغييره..! قد يقول البعض إن وهبي ودع موظفيه وزملاءه في الوزارة قبل أيام.. فاعتقد البعض أنه سيغادر الوزارة، لكن الرجل توجه فقط إلى طنجة حيث شوهد في مقهى “سنترال” الشهير بالسوق الداخل وهو يستمتع بجلسة قد لا يجدها في الرباط.. هذا كل ما في الأمر.

آخرون صدموا حين وجدوا اسم ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي، ثابتا لا يتحرك، وهي المرأة نفسها التي أثارت جدلا غليظا قبل أشهر بعدما ظهرت في صورة حميمية مع رجل أعمال أسترالي في العاصمة الفرنسية باريس، وهذه الصورة تعكس حالة تناف فظيعة لامرأة تتولى قطاع الطاقة في البلاد وتعانق رجلا يبحث عن صفقات ضخمة للغاز مع وزارة بنعلي.

لهذا السبب كان كثيرون يتوقعون رحيل ليلى بنعلي، ليس لأنها ظهرت في تلك الصورة، بل لأنها كذبت على 30 مليون مغربي وقالت إنها ليست “صاحبة الحذاء”..! ألم نقل لكم إن التعديل الحكومي قضية غير جدية..!؟

الحكومة المعدلة استمرت فيها، أيضا، فاطمة الزهراء المنصوري، بوزارة ثقيلة كالجبل، بينما لم تستطع هذه المرأة حتى قيادة حزبها “الأصالة والمعاصرة”، الذي يغرق في فضائح بلا نهاية، بدءا بقضية الشرفاء العلميين في تزروت ومرورا بالفضيحية النتنة لعمدة طنجة منير ليموري، فيما يعرف بفضيحة “منير مون بيبي”، وانتهاء بتورط زوجها في محاولة تحفيظ أراضي ليست له، وقضية الشيك بدون رصيد.. وأشياء كثيرة أخرى. هل لا زلتم، إذن، تعتقدون أن التعديلات الحكومية تستحق بعض الاهتمام..!؟

أما حزب الاستقلال فإنه أفضل حزب يتقن عملية “إعادة التدوير” بين رؤوسه الكبيرة. من كان يتصور أن عبد الصمد قيوح سيعود.. ومن كان يتخيل أن عمر احجيرة، بملفاته التي يعرفها كل المغاربة، سيصبح وزيرا محترما جدا في حكومة تريد بدورها أن تبدو محترمة.. ولحسن الحظ أن حزب الاستقلال لم يقم باستوزار نور الدين مضيان.. ومن يدري.. فقد يفعلها يوما ما..!

من كان يتصور أيضا أن وزارة مثل التعليم والرياضة سيتولاها شخص يمكن أن يفهم في كل شيء إلا التعليم. شخص مغمور يدير شركة للألبان أو “الرايب” صار فجأة وزيرا للتعليم في بلد فشل منذ 70 عاما في رسم خارطة طريق حقيقية لقطاع التعليم، وها هو لا يزال مصرا على الفشل. ربما تكون الدولة يئست من قطاع لم يستطع إصلاحه حتى أشخاص مثل محمد الوفا ومحمد حصاد، فجيء في النهاية ببائع لبن، كنوع من التنكيل بالذات أو المازوشية.

هناك وزراء غادروا ولا أحد يعرف لماذا، وآخرون دخلوا الحكومة لسبب ما، لكن يمكن أن نفهم ما يجري من خلال النظرية التي تقول إن تشكيل الحكومات والتعديلات التي تطرأ عليها، في بلدان معينة، تبدو ضرورة وجودية للطبقة الأرستقراطية فقط لا غير. أي أن العائلات الكبيرة في البلاد، و”ما كبير غير الله سبحانه”، تحتاج باستمرار لألقاب ومناصب تغذي بها طموحاتها البرجوازية ونزعة التفوق واكتساب ألقاب تظل ترافقها لأجيال طويلة، فيظل الأحفاد يرددون دائما عبارة “أنا جدي هو اللي كان وزير ديال النبك”.. مثلا، فيفتحون بذلك أبواب كثيرة.

عموما، الحديث يطول كثيرا في مثل هذه المواضيع، لذلك على المغاربة ألا يعتبروا تشكيل الحكومات أو تعديلها مسألة جدية. إنها فقط مناصب يتم تدويرها بينهم.. ونحن أبناء الشعب يمكن أن نستمتع بذلك بطريقتنا الخاصة، ونعتبر التعديل وجها من وجوه “الكلاسيكو”.

 

أضف تعليقك

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

تعليقات ( 0 )